اعلمي رحمكِ الله أنّ للمرأة تاريخا افتراضيا تنتهي به مدة صلاحيتها، تصبح بعده بضاعة مضروبة ومطروحة ومكسورة لا يرغب بها شارٍ؛ وعليه يزهد فيها سوق الزواج! والبضاعة تبان من عنوانها وأوصافها الكاملة المكملة، فيزداد عليها العرض والطلب.. وكأننا في سوق (نخاسة)! والسلعة المتجاوزة الصلاحية ليس لها إلا رف الإهمال والنبذ ونظرات الأسى والحسرة، حيث تصطف مع أخواتها الأوانس (العوانس) ممن فاتهن القطار، والقطار لا ينتظر متخلفة.. فهلمي رعاكِ الله وسارعي للمجد والعلياء؛ وادخلي القفص وسمّيه ذهبيا حتى لو كان خشبيا أو من (تنك)! ولا بأس بزوج (نصف عمر) أو بعجوز متصابٍ قرّر أن يثني أو يثلث بك، ولا ضرر ولا ضرار من (زواجة أي كلام) تفتقر إلى أدنى شروط النجاح وأبسط مقوماته، ففصل المقال في إبعاد شبح العنوسة وتدميره قبل أن يتلبسك! حتى لو عشت حياة تقطر تعاسة، أو عدت لبيت أبيك وأنت تحملين على كتفك طفلا وتجرجرين آخر، فمسمّى مطلقة أهون وأخف وقعا من مسمى عانس، حتى لو كان من يدفع الثمن الباهظ هم أطفال أبرياء! أمّا الرجال العزاب فليس لهم تاريخ صلاحية حتى لو بلغوا من العمر عتيا، ولا يصح ولا يجوز إطلاق مسمى عانس على رجل، فالعانس مسمى حكر على النساء في ثقافتنا مع أنه يطلق على الرجال والنساء في لغتنا! والرجل عدّاه العيب سيظل صالحا أبد الآبدين فالراجل عيبه في جيبه ـ برغم أن جيوب الرجال مخرومة في زمننا ـ ولكن يظل المثل ساري المفعول حتى إشعار آخر!

هذه الثقافة والمفاهيم التي ترسخ في لا واعي المجتمع رجالا ونساء هي المسؤولة عن تحويل عزوبية الفتيات إلى مأساة مدمرة أو وباء مستفحل، تضطر معه الثقافة إلى استخدام مفردة (مكافحة العنوسة) وكأننا نتعامل مع مخدرات! وتنجرف معه الفتيات إلى زيجات فاشلة يصل معها الطلاق في بلادنا إلى أرقام مرعبة، فهناك 79 حالة طلاق يوميا في السعودية حسب دراسة نشرتها صحيفة "اليوم" والنسبة المئوية 20% وذلك عام 2009 وأتوقع أن الرقم في ازدياد، وهو رقم مرعب يقرع أجراس الإنذار وينبئنا أن مؤسسة الزواج في خطر حقيقي! وكم من الفتيات المطلقات في مجتمعنا وهن في عمر الزهور!

على كل (مثقف) يريد إيجاد حلول لعزوبية الفتيات، أن يتخلص أولا من نظرات الأسى ومشاعر الحزن على (بناتنا) قبل أن يفكر في مناقشة المشكلة، ففي هذه النظرة المتهدلة شفقة يكمن أصل الداء! وقبل كل شيء علينا أن نمحو مفردة (عانس) الكريهة من قواميس استخدامنا. أما من يرفع لواء التعدد كحل فحجته مردودة عليه، فالتعداد الأخير جاء مؤكدا أن عدد الذكور في المملكة 50.9% وعدد الإناث 49.1%!

لا تصدقي أن "ظل راجل ولا ظل حيطة"، بل تأكدي أن ظل الحيطة خير من (خيال ظل) مشطور ما بين هنا وهناك، وخير من التورط في زواج لا تتوافر له شروط النجاح.

وغدا نلتقي للحديث عن تهويمات الأربعة ملايين عانس.