يقال إن بلال بن أبي بردة هو أول قاضٍ جار في القضاء، وذكر كتاب "الأوائل" لأبي هلال العسكري أن القاضي بلال أمر "داود بن هند" أن يحضر عند تقدم الخصوم إليه، فإن حكم بخطأ رمى بحصاة فيرجع بلال عن الخطأ، فتقدم إليه مولى له ينازع رجلاً فحكم لمولاه ظلماً، فرمى داود بحصاة فلم يرجع، ثم بأخرى، فقال له بلال: ليس هذا مما يرمى له الحصاة، هذا مولاي..!
وذكر أن رجلاً قدّم إلى القاضي بلال رجلاً في دين له عليه، فأقر الرجل به، وكان بلال يُعنى بالرجل، فقال المدعي: يعطيني حقي أو نحبسه بإقراره، قال بلال: إنه مفلس، فقال: لم يذكر إفلاسه، قال بلال: وما حاجته إلى ذكره، وأنا عارف به؟ فإن شئت أحبسه فالتزم نفقة عياله. فانصرف الرجل وترك خصمه..!
هذه قصص لأول قاض بدأ مسيرة "الإساءة إلى القضاء"، واليوم رغم عمليات "تطوير القضاء" واصلت قصص "الصكوك" التي ظهرت على سطح القضاء ويحاسب فيها قضاة، مسيرة الإساءة في تاريخ القضاء..!
وربما يكون لـ"التفتيش القضائي" دور في ضبط كفتي ميزان العدل، وقد نشرت "الوطن" عن عزم المجلس الأعلى للقضاء إطلاق خطة لـ"التفتيش القضائي"، تستهدف قياس أداء نحو 922 قاضيا وفق 8 معايير هي: تكييف القضية، وسلامة إجراءاتها، وتطبيق الأنظمة، وإنجاز العمل وإتقانه، وتسبيب الأحكام، وصحة الأحكام ودقة منطوقها وصياغته، وجودة أداء الواجبات الوظيفية، وتلافي القاضي للملحوظات المسجلة على عمله في تقارير سابقة. ثم تقييم القاضي بدرجة "كفايات".
كان العلماء يهربون من تولي القضاء رغم قدرتهم عليه، وقد جاء في كتاب "أخبار القضاة" أنه جيء بـ"عبدالله بن إدريس، وحفص بن غياث، ووكيع بن الجراح" إلى هارون الرشيد؛ ودخلوا ليوليهم القضاء؛ فأما ابن إدريس فقال: السلام عليكم وطرح نفسه كأنه مفلوج؛ فقال هارون: خذوا بيد الشيخ، لا فضل في هذا، وأما وكيع فقال: والله يا أمير المؤمنين ما أبصرت بها منذ سنة، ووضع إصبعه على عينه وعنى إصبعه، فأعفاه هارون؛ وأما حفص فقال: لولا غلبة الدين والعيال ما وليت.
(بين قوسين)
أعتقد أن أقوى وأصدق تفتيش سيكون بالصوت والصورة؛ لو استعان التفتيش القضائي بـ"كاميرات" في المكاتب القضائية.