نسمع دائما ترديد البعض لمقولة: إن "تزايد النزعات الطائفية في مجتمعاتنا الإسلامية هو شر لا بد منه"، فذلك نابع من حتمية صدام الحضارات الإسلامي، الذي لم يتحدث عنه "صاموئيل هانتجتون"، بل روج له بعض دعاة الإقصاء من الطرفين، الذين يسعون كما يبدو للوصول بالمنطقة إلى شفير الهاوية؛ ليتغلب أحدهم على الآخر ويصبح هو المتسيد والمتفرد في حكم العامة مذهبيا.
هذه المقولة ومن يروج لها، تنبع من حفنة من الأفاقين
والمحتالين، الذين يعملون بقصد لجر المجتمعات الإسلامية إلى مواجهات داخلية وخارجية لن يستفيد منها أحد، فالتاريخ أثبت لنا بأن لا حروب دينية أو مذهبية استطاعت أن يلغي فيه المنتصر المنهزم، فلم تضمحل المسيحية بالفتوحات الإسلامية، ولم يختف الإسلام في عصر الانحطاط الذي نعيشه اليوم، والذي يتحكم فيه المسيحي واليهودي.
وقود هذه الحالة من الاحتقان الطائفي في المنطقة ينطلق أساسا من الاستغلال المنظم للجهل الحقيقي للمجتمعات، وسهولة التلاعب فيها بالشعارات والخطب الرنانة، التي يطلقها تجار حروب يلبسون الشكل المناسب، ويتلاعبون بالعبارات والأدلة الشرعية؛ ليضللوا بها عقول أفراد يشبهون كثيرا شخصيات رواية 1984 لجورج أورويل، الذين يتبعون أخاهم الأكبر اقتناعا بما يقوله، بينما هم في الحقيقة مستسلمون للهالة التي خلقها عن نفسه في ضمائرهم.
لا أعتقد أن هناك مسلما سويا من بين من يقرأ هذه السطور بإمكانه أن يجادلني بقوله إنه يمكن تبرير الطائفية واعتبارها نزعه يمكن قبولها والدفاع عنها، وأجزم أن أغلب الطائفيين لا يعرفون أنهم طائفيون من أساسه، بل يعدّون معاداة المذهب الآخر واجبا دينيا لعله يوازي، إن لم يكن يزيد، أجره عن كره اليهودي والكافر كما يرون، وإن سألتهم هل تؤيدون الطائفية؟ سيكون جوابهم: بالطبع لا.
لماذا أصبحت الطائفة باعتبارها طائفة مشكلة في المجتمعات العربية؟ والجواب بكل بساطة يمكن فهمه من خلال ما قاله "برهان غليون" في كتابة "المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات" حين قال: "تبدأ المشكلة عندما يصبح التمايز الثقافي للأقليات الدينية العربية له وجود سياسي مميز"، وبالتالي فإن الصراع الذي يعتقد العامة المنجرون للخطاب التحريضي بأنه ديني، ما هو في الحقيقة إلا جزء من لعبة محركها وهدفها سياسي!.