عادنا رمضان سريعاً ثم غادرنا سريعاً أيضاً. يتحدث الناس كثيراً عن تسارع الأيام وتصرمها بشكل واضح وملموس فما أن يمضي يوم الأحد حتى يأتينا الأحد الذي يليه، وما إن تنتهي عطلة نهاية الأسبوع ونعود لدورة العمل حتى نقع دون أن نشعر في نهاية الأسبوع الآخر، هكذا الأيام تجري والأسابيع تمضي والشهور تتتابع، وسنة تردف أخرى والزمن يلهث ونحن نركض في هذه الدنيا ولا نشعر إلا وقد عادت المواعيد الثابتة لتكسر الرتابة وتخرق الروتين.

ننغمس في دورة الأيام لنكتشف أن رمضان الذي غادرنا قد عادنا مرة أخرى، والحال كذلك مع العيد ثم الحج، وأيضاً مع كل المواسم الدنيوية من معرض الكتاب والجنادرية والاختبارات الفصلية وإجازة الربيع والاختبارات النهائية والإجازة الصيفية، حتى أصبح العام جداول ثابتة من المواعيد المبرمجة.

هكذا هي الحياة المدنية، وهكذا هي زحمة المدن الحية التي تعج أيامها بالفعاليات، ويزيد من وطأة الأمر الاندماج في هذه الورشة من خلال متطلبات الحياة الوظيفية، ومتطلبات الأسرة والأبناء، بخلاف ذلك فإن أيام الطفولة والصبا طويلة وممتدة وتكاد أيامها لا تنقضي، نسبة لحجم الفراغ الذي يغمر أيام السنة، ومن هنا فإن حياة الصبية تتشكل وتصاغ بحسب ما يتم حشده من أفعال أو نشاطات في هذا الوحش الذي اسمه "الفراغ"، وعلى هذا النحو تشكلت معظم سلوكياتنا التي رسمت خلال سن المراهقة، هناك من إنحاز للقراءة وآخر اهتم بالرياضة وممارستها أو متابعتها، وهناك من تولت صياغتهم مجالس الصحوة، وآخرون تولت التربية المنزلية الصارمة توجيههم نحو الترقي في مجال الدراسة، وكذلك انصرف البعض للاهتمام بالهواية مثل الرسم أو الكتابة ثم التأليف أو التمثيل، أما من لم يدخل في هذه الحسبة فقد التهمه الفراغ ووقع في المحظورات الحسية من التعاطي وما يجر إليه من الفشل ثم الانكسار ثم البوهيمية والضياع.

عجيبة هذه الحياة فلا يرضى عنها أحد ولا تحقق الإشباع لكل أحد، ومع أن لكل مرحلة في الحياة طعمها الخاص ومذاقها الجميل إلا أن كل مرحلة تلعن أختها.

ففي مرحلة الطفولة والصبا كنا نستعجل الكبر ونتحرى الانتهاء والانعتاق من مرحلة الدراسة ونتطلع كثيراً للفكاك من أسرها والانضواء إلى طائفة الموظفين الذين كنا نحسب أنهم أحراراً ولم نكن ندرك تبعات الوظيفة والتزامات الأسرة، وهكذا صرنا نتحسر على أيام الصبا والفراغ ونستطعم أيام الدراسة والزمالة وأيام الشباب والرفقة وأيام الفراغ وسعة الوقت وطول الأيام التي لم تكن تنقضي لنفس سرعة انقضائها هذه الأيام.

ها نحن ننغمس في مناسبة العيد ونتذكر الفطر الماضي كأنه أمس القريب، ولن نلبث طويلاً بمشيئة الله حتى نعيش العيد القادم، وعجلة الأيام تدور سريعاً وتباعاً بين فرح وترح وحزن وسعادة "إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس".

نسأل الله أن يغمر أيامنا بالسعادة وأن يعمرها بالطاعة والرضا والقبول.