من أهم أهداف التعليم العام في المملكة: (بناء شخصية الطالب من جميع الجوانب، بتعزيز الوازع الديني، وترسيخ الحس الوطني، وتنمية الحس القيادي وأساليب التخطيط الجيد للأمور وحل المشكلات، والصدق في التعامل) وغيرها من الأهداف، إلا أن المناهج التعليمية عندنا تحتوي على تناقضات واضحة مع الواقع المعاش، وفي زمن الفضاء المفتوح والإعلام الجديد بكل وسائله ومسمياته باتت الأمور أكثر وضوحا من ذي قبل حتى لعامة الناس، فكيف بمن تيسّرت له وسائل الاطلاع والمتابعة عن كثب، وفي كل المجالات كالطلاب والشباب عموما، وهذا التناقض أكثر من يشعر به ويعايشه هو المعلم أمام طلابه، حيث إنه يجعل المعلم في موقف محرج أمام طلاّبه وهو يتحدث بمثالية إنشائية عن أمور وقضايا يعرف الطلاّب حقائقها الميدانيّة من خلال وسائل الإعلام الجديد.

والسؤال هنا كيف نريد تخريج جيل واع ومتعلم ومخلص وصادق في خدمة وطنه وأمته وجيل يعرف معاني الحوار ومعاني الرأي والرأي الآخر، ونحن نقدم له حقائق متناقضة ! - فعلى سبيل المثال أصبح من الصعب إقناع الطلاب بإنجازات إنشائية يحتويها المنهج لمجلس التعاون الخليجي، ومعظم الطلاب يعلمون أن مجلس التعاون الخليجي وطوال أكثر من 30 عاما لم ينجح في الاتفاق على عملة موحدة! بل إن بعض الطلاب يقولها صراحة: إن أوروبا نجحت في توحيد عملتها في أقل من نصف عمر مجلس التعاون!

وفي السياحة أصبح من الصعب إقناع الطلاب بتوفر الخدمات في السياحة الوطنية، والطالب يقولها صراحة: أين الخدمات والشقق المفروشة التي تقدم الخدمة اللائقة، والغلاء فاحش، والملاهي صدئة ، ودورات المياه بدون أبواب! بل يتجاوز بعضهم ذلك ليقارن بسخريّة بين السياحة الداخلية والسياحة في البلدان الأخرى، - وفي حقوق العمال: حينما تُحدث الطلاب عن حق العامل في: السكن المريح، وتحديد فترات العمل، وعدم الفصل التعسفي، والحصول على الإركاب لزيارة أهله ذهابا وجيئة، ثم يفاجئك أحد الطلاب بالقول: ولكن يا أستاذ هذه الأمور يحدث عكسها في بعض الأماكن عندنا!

وفي الرياضة أصبح من الصعب إقناع الطلاب بنبذ التعصّب، وهم يشاهدون ويسمعون ويقرؤون كل أنواع التعصب والعنصرية، عبر مختلف البرامج الرياضية ومن أناس تجاوزوا الخمسين من أعمارهم، بل إن بعض الطلاب بدأ يتساءل عن أسباب تأخر مشاريع المدينة الصناعية بجازان، وعن سر تأخر السكك الحديدية التي ستربط شمال المملكة بجنوبها وشرقها بغربها، وأين ذهبت ملياراتها، وهو ينقل هذه الأسئلة من مواقع التواصل الاجتماعي، ويتحدث عن الفساد بأمثلة من الواقع، فكيف بالله عليكم يتعامل المعلم مع هذا الوعي المتنامي بما يجري في الواقع، وبين ما تقوله المناهج من إنشاء بعيد عن الواقع، إن هذه التناقضات بين مفردات المناهج ومعطيات الواقع تنعكس سلبا على شخصية الطالب، كما أنها تقلل من قيمة المعلم، وقيمة المنهج، وقيمة التعليم عموما.