يقدّر تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية (سوفان جروب) أن عدد المقاتلين السعوديين في صفوف داعش 3000، التقرير بعنوان "المقاتلون الأجانب في سورية"، ونشرت نتائجه وسائل الإعلام. حسناً، لنقل شيئاً هذه المرة عن جانب آخر فيما يخص السعوديين، غير مسؤوليتي الأداء السياسي والديني، وبالطبع لا يمكن فصله عنهما، حيث هو مصبّ مباشر لما يفعلانه. لنتحدث عن البيوت.
هناك أزمة حقيقية في فهم فكرة "البيت" لدى العديد من الناس، إخفاق ممنهج ورهيب في وعي الوالدين ابتداء بما يلزم حقاً حيال معنى العائلة وأفرادها، يظهر هذا جلياً في نسب العنف الأسري، بدءاً من قسوة اللفظ والمعاملة، مروراً بالضرب، وانتهاءاً بحالات عنف، تصل أحياناً إلى القتل. إليكم هذه النسب، وهي على الموقع الرسمي لهيئة حقوق الإنسان السعودية الحكومية، وأنقلها بالحرف، مع ملاحظة أن هذا لم يكن قبل قرن من الزمان، حيث يُعذر الناس، بل السنة الماضية 1434: "أوردت دراسة حديثة، حول انتشار العنف الأسري في المجتمع السعودي أن 45 في المائة من الأطفال السعوديين يتعرضون لصور من الإيذاء في حياتهم اليومية، فيما وصل 83 في المائة من الحالات التي تتعرض للعنف الأسري إلى دور الملاحظة والتوجيه والرعاية عن طريق الشرطة، وأن 72 في المائة من الضحايا يصلون عن طريق أحد الوالدين. وهناك دراسات أخرى توضح أن آثار العنف الأسري غالباً ما تظهر بعد سن البلوغ، وتكشف أن 80 في المائة من متعاطي الكحول والمخدرات تعرضوا للاعتداء في طفولتهم، وأن 80 في المائة من الهاربين من منازلهم يؤكدون أن الاعتداء عامل أساس في هروبهم، وأن 78 في المائة من السجناء تعرضوا للاعتداء في طفولتهم". أرقام مرعبة، أليس كذلك؟! هرم "ماسلو" للاحتياجات الإنسانية، وهي نظرية "إبراهام ماسلو" قدمها في كتابه "التحفيز والشخصية" 1954، تشرح -باختصار- أن هناك حاجات أساسية تقوم عليها شخصية الفرد، واختلال إحدى هذه الحاجات يؤثر على سلوكه، ويدفعه هذا الخلل بالتالي للبحث عن إشباعه. ماسلو قسّم هذه الاحتياجات لخمسة أقسام مرهونة بشرطها الهرمي، من الأسفل للأعلى، وهي بالترتيب: الاحتياجات الفسيولوجية (الأكل، الشرب، النوم.. الخ) ثم احتياجات الأمان (الانتماء، الأمن الجسدي، الأسري، المعنوي.. الخ) ثم الاحتياجات الاجتماعية (إقامة العلاقات السليمة.. الأسرية، العاطفية، الصداقات.. الخ) ثم الحاجة للتقدير (المكانة، الثقة، الإحساس باحترام الآخرين.. الخ) ثم أخيراً الحاجة لتحقيق الذات، وهي المرحلة التي يحاول الفرد فيها تقديم نفسه عبر إنجازاته، مستخدماً خبراته ومهاراته وقدراته. لنسأل بصراحة: ما الذي ينجزه البيت في السعودية في هذا الهرم؟ الأرقام تجيب، وكما قلت، هذا لا ينفصل أبداً عن مسؤوليتي السياسي والديني. لكل والدين، وأنتما تقرآن أن ثلاثة آلاف سعودي يحققون توحشهم في القتال بداعش، وأنتما تقرآن هذه النسب المروعة في مجتمعكم، كونا أقرب إلى أبنائكما. قفا عند عواقب القسوة. فكّرا أن مسؤوليتكما ليست فقط الزاد واللباس ومشاوير المدرسة، وأن مرارة الظلم ليست فقط في عنف الجسد أو التمييز، هناك ظلم خفي، مرارته أخطر وأكثر تعقيداً؛ أن تكونا بعيدين عن حقيقة أبنائكما. أن تحاولا جعلهم نسخاً منكما، أن تتركا الفرصة للبعيدين أن يفعلوا ما كان يجب عليكما أن تفعلاه. امنحا بنيكما الحب والاحترام.
