قبل العيد بحقبة زمنية كانت المرأة الفلسطينية قادرة فيها على تحضير عشرات العلب من كعك العيد، وتحيك عشرات الفساتين والكوفيات. يأتيهم الموت من أيدي شرذمة لم تشبع إلى الآن من الوجبات المغموسة في دماء الأبرياء، مازالوا يتلذذون بمقابلة ذلك الطفل الغاضب ذي السلاح رغم وهنه، إلا أنه قادر به على مواجهة دباباتهم ورشاشتهم، وقذف الرعب في قلوبهم.

الفلسطينيون عيدهم ليس شبيها بأعيادنا ذات الألوان المبهرجة والأطعمة المصنفة.

له لون واحد: لون الدم، وطعم واحد: مرارة الفقد وحسرة تلك الحكايات التي دفنت تحت جدران منازلهم، وإخفاء معالم أبوابهم التي كانت مشرعة للحب والتآخي والألفة، وتلك النوافذ التي ما عادت تدخل منها شمس الأمل إلى حجراتهم، لتخلق عالما جديدا لأولئك الصبية الذين دفنوا أمهم أمام أعينهم، واعتُقل آباؤهم وسط صرخات القهر ونظرات الألم.

ليس عيد فلسطين آمنا مستقرا مستكينا كما أعيادنا، وهم محاطون بالرعب والخوف وترقب الموت متى يخطف أحدهم أو جميعهم دون سابق إنذار.

أي عيد ينتظرهم والثكالى يعلمن أن شمس العيد تشرق وفلذات أكبادهن لا تشرق عليهم شمس بعد اليوم؟

أي عيد والطفلة ترى والدها يلف جسده بالكفن قبل أن يحضر لها فستان العيد وحلواه ولعبته؟

أي عيد وذلك الصبي الحالم بمستقبل يريد أن يبدأه بعد العيد فقط بمذكراته ومخططاته الدراسية، وقد فقد قواه وبترت ساقه بقذيفة عدوان؟

أي عيد والفتاة التي أحضرت فستان فرحها تجده تحت ا?نقاض ملطخا بدماء لا تعلم هل هي دماء خطيبها أم أخيها أم أبيها؟

أي عيد هذا الذي نحتفل به ونرقص على جراح أبناء الحجارة ورجال الرافدين وشباب اليمن السعيد وأطفال الشام أشباه الياسمين؟!

الوطن العربي الذي قلع جذوره الدم، وحلت مكانه شجرة الضغينة والسواد!، لكنها حتما ستؤتي أكلها على من زرعها، الذي كان حريصا على الفساد وهدر دماء ا?برياء.

هل يعجز أبناء العروبة عن توحيد الصف، الذي فرقته النزاعات ا?تية من كيد الذي يحرص على الفرقة؟ حتى تمادى العدو وشطرنا نصفين، ثم شطرهما إلى جماعات ومذاهب قائمة على العداء والمكيدة والتشفي! أ? يمكنهم سد الثغرة كي يكونوا يوما ما يدا واحدة قادرة؟

أ? يمكن لأبناء وطننا العربي الكف عن إراقة الدماء وإنهاء العداء وكفكفة دموع الأمهات وإصلاح شأنهم؛ حتى تفسد مكائد عدوهم ويعودوا إخوة تحلق فوق سماوات وطنهم حمامات السلام، وتزرع في أزقة قراهم الورود والياسمين، وتسقى بالحب وا?خاء والنقاء، وتعمر مدنهم دونما أن يهدموها بمعاول الحروب.

أ? يكفي ما رأيناه ونراه من سفك دماء العروبة ودماء العرب؟!