صدرت للقاص محمد تركي الدعفيس مجموعة قصص قصيرة جدا بعنوان "لا وقت للحلم" عن دار الأدهم للطباعة والتوزيع والنشر بالقاهرة، لعام2014، تقع في مئة وأربعين صفحة من القطع المتوسط، وصمم غلافها الفنان التشكيلي عبدالستار العاني.

اعتمد الدعفيس في أغلب نصوص مجموعته التي كتبها على شكل "ق. ق. ج" على التكثيف، والإيجاز اللغوي، والإيحاء، والدهشة، تاركاً الباب مفتوحاً للتأويل، من خلال اتباعه أسلوب الرمز المخفي الدلالة، والإسقاط المدروس، والسرد المترف بالشاعرية، ليقينه أن القهر والخوف لهما لون واحد في كل زمان ومكان، ولأن المكان هو المصدر الوحيد لاستلهام الحكاية، استمد من الحياة اليومية جل المواضيع، وبدت السوداوية واضحة في أغلب نصوصه حتى طبعت القصص الخاصة بها، وهذا يؤكد ما لسلطة المكان من تأثير كبير على نفسية القاص الناتج عن محبته وارتباطه به، كونه المكان الذي رأى فيه النور وموطن أحلامه والمخزون الذي تكون في ذاكرته.

واشتغل القاص على الصورة، معتمداً على استنطاق الدهشة، مما يؤكد رؤية "الأرجنتيني راوول باسيكا" أن القصة القصير جداً، تنحصر في ثنائية تتمثل في وجود عالمين متقابلين في النص القصصي "حلم ويقظة"، صورة حقيقية، وأخرى معكوسة.

واتكأ في أغلب قصصه على الإيحاء والتلميح عوضاً عن التصريح في بعض النصوص، حيث تنوعت القصص ما بين الإنساني والوجداني والوطني، متفاديا الجمل الطويلة، مشتغلا على الأداء الجمالي في اللغة.

•أم مُقعدة

"عاد متأخراً قليلاً..أدار المفتاح في الباب..وجده موصداً بالمغلاق الداخلي.

من الداخل صرخت زوجته بعتب وغضب: عُد حيث كنت تلهو.

انتظر قليلاً.. لكنها لم تفتح.. عاد ليكمل سهرته حيث كان، إلى جانب فراش والدتها المقعدة".(ص 12)

في هذا النص، يستثمر طاقات الجملة الفعلية والقصيرة، لكشف الاختلال ما بين التهمة والتجني، وما بين الواقع الحقيقي، من خلال المباغتة، والمفارقة والسخرية.

•نخّاس

"وقف في الميدان يدلّل.. صوته يملأ الأركان.

لم يكن إلى جواره بضاعة.. فَغَرَ المارة أفواههم.. رفعوا الحواجب..انتبهوا أخيرًا.. لقد كان يبيع نفسه!".(ص 41)

بعدسة المرارة يصور القاص الانتهازي، الذي باع كل شيء، حتى عرض ذاته للبيع.. وفي هذا النص كشف وتعرية لهذا النوع من الـ"لابشر"، لأن القيم لديهم مفقودة مذ قطع حبلهم السري.

•انظري حولك

"سألته: لماذا بت تكتب بقلم التشاؤم؟!

اكتفى بالقول: انظري حولك!"(ص 100)

نص حواري يجعلنا نقرأ التداعيات الحياتية المكتوبة بحبر القهر الإنساني، وكأني أسمعه يقول لمن سألته بحنق.. أزيلي الغشاوة عن بصيرتك قبل بصرك.. كيف لا أتشاءم والشوارع تنزف دماً متواصلاً؟!.

•قلم

"تقدم المخبر..التقط قلم الشهيد..كانوا قد أردوه قبل قليل..فاجؤوه يخط السطر الأخير لروايته الجديدة.

أراد المخبر أن يكتب تقريراً لرؤسائه يقول فيه: تم تنفيذ المهمة بنجاح..لكن قلم الشهيد رفض الخيانة..فـ "جف حبره"".(ص 133)

يصور القاص عبر التكثيف والمفارقة والسخرية، واستخدام الرمز في النص من خلال رصد مشهدية القلم وهو يدون القبح والجمال، ويصوره بـ"أنسنة جلية" حتى إنه رفض استمرار الكتابة حين شَعَرَ أنها كيدية ونفعية.. كما رصد مفارقة حقيقية وهو يرسم صورة صادمة في ذهن القارئ، بدءاَ من اختياره العنوان وانتهاءً بالوخز الموجع الذي حملته حروف النص في نشر الحقيقة المدعمة بأدلة قاطعة من خلال تعرية صورة المخبر في الوعي الجمعي.