رمضان شهر كريم حقيقة، فهو شهر للحصاد والمكاسب الدينية والدنيوية.
فهو رغم الملمح الديني الطاغي على طبيعته وسماته، إلا أنه من فيض كرمه صار نافذة جيدة للاتجار والتكسب.
فرمضان شهر يتميز بطقوسه المغايرة لروتين الشهور الأخرى، من ناحية اختلاف مواعيد وأنواع الأطعمة، ومن هنا فقد صار الشهر فرصة لتجار المواد الاستهلاكية من الأطعمة والأشربة، الذين يأخذون في تسويقها والترويج لها خلال شهر شعبان، ومن هنا ينشط المد الإعلاني التسويقي، وتزداد حدة التنافس بين الأسواق المركزية، وهو ما يوفر نصيبا جيدا من المكاسب للوسائل الإعلامية ورقية ومرئية، من خلال التدفق الإعلاني عبرها، ولا شك أن مردود هذا السباق الترويجي والتشويقي يعود بالربح الوافر على التجار الذين يبيعون في شعبان أضعاف ما يباع عندهم في الأشهر الأخرى، بل يعمد بعضهم إلى تسويق كثير من السلع المخزنة قبل انتهاء صلاحيتها.
أيضا، فإن رمضان الكريم يفتح أبواب الكسب الوافر للقنوات التلفزيونية الفضائية، التي تتسابق بين بعضها على جذب المشاهدين، من خلال الإنتاج التلفزيوني الضخم والمنوع "تاريخيا وكوميديا"؛ لأن القنوات الفضائية قد أدركت باستقرائها للعادات والطقوس الرمضانية أن رمضان هو ذروة الشهور الذي تجتمع فيه الأسرة الواحدة في مكان ووقت محددين، ومن هنا فقد عدّت فترة الإفطار أنها فترة الذروة، وهذا بدوره هو الذي فتح باب الإعلان على مصراعيه على نحو جعل دقائق الإفطار هي الأعلى في تسعيرة الإعلان خلال العام كله، وهذا وجه من أوجه الكرم الرمضاني الدنيوي.
لكن رمضان الديني هو المكسب الأكبر والأبقى بل والأنقى، من خلال أنه فرصة جيدة للتزود في التعبد والتنسك، وفيه الليالي العشر المباركة، وفيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر على نحو يجعل أعمار الذين يصلونها ويدركونها خلال سنوات حياتهم تجاوز أعمار الأقوام السابقين، مثل قوم نوح عليه السلام، وهذا فضل رباني عظيم لأمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ورمضان كريم بفضائله التي لا تحصى، وكريم بخصال التسامح والعفو والتكافل الاجتماعي إذ تنكسر فيه النفوس وتتصاغر فتكثر فيه الصدقات، وتزداد فيه وتيرة البذل والعطاء، بل ويعمد كثير من المسلمين إلى ربط زكواتهم ومواعيد صرفها؛ حتى تتوافق مع هذا الشهر؛ طمعا في مضاعفة الأجر، وهكذا تنتعش نفوس المساكين والفقراء، وتنفك عسرة الغارمين، وتنعتق الرقاب، وتتآلف القلوب النائية عن الإسلام في محاولة لتقريبها وترغيبها.
ما أكرمك يا رمضان! تمر عابرا فتغمر حياتنا الدنيا بالعبادة والسعادة، وتعمر حياتنا الأخرى بالأجر والمثوبة والرفعة.
ما أكرمك يا رمضان! تأتي فتتعطف روحنا، وتنكسر صلافتنا، وتتذلل نفوسنا، ويتدانى ترفعنا، وتتطامن مشاعرنا.
رمضان: تعويذة الحب والرحمة، رمضان شهر المساكين.. والذين لا يلقون بالا لهذا الشهر ويعدونه كسائر الشهور فهم المساكين حقا.