(لن) أنسى مطلع عام 1400 وأنا طالبة على مقاعد الدراسة الابتدائية صورة الرعب التي أحاطت بنا.. تلك كانت صورة جهيمان، ذاك الرجل "الأكرت" الشعر الأغبر الوجه، صورة لن تفارق مخيلتي حين كنت أستمع إلى أحاديث النساء في حارتنا الصغيرة عن الخوف من ذلك الذي استباح الحرم المكي هو وجماعته والتي غرر بأغلبهم، في سابقة لم يكن يقبلها ولا يرضى بها المواطن المسلم البسيط والذي يرفض لغة الدم، لغة الخراب، ولغة الحروب، جاء جهيمان ومعه جملة من المطالب الغريبة، إذ يدعي أنه يحرر أرض الحرمين، وهو لم يحرر نفسه من أوهام ومفاهيم لم يفهمها هو ذاته.. لكن الله أيد أصحاب الحق في التخلص من نبتة فاسدة انتهكت المكان الحرام في الشهر الحرام.
مرت السنوات لكن كانت هناك ثعابين تخرج من جحورها، شعارها العنف والبطش والألم تصدر فكره إلى شبابنا هنا وهناك ضمن منظومة فكر مقلوب يفهم الدين الإسلامي من خلال فكرة الشرس الوحشي.
وها هي أفواج الذين سافروا إلى الأراضي الأفغانية للجهاد .. شباب في عمر الزهور من هنا وهناك من أرض وطني.
ولم تخل قبيلة أو عائلة إلا وقد غرر بشاب أو شباب منها وفي مقتبل العمر. .لهم فكر دام ويطلق عليه من منطقهم اسم "الجهاد".
ذهبت زهرة شباب بعض أبناء الوطن ما بين جبال أفغانستان تائهين في قرى باكستان.. يتخبطون هنا وهناك، وبدلا من أن يفكروا فيما يخطط لمستقبلهم الزاهر -فهم في فورة الشباب وريعانه- نجدهم يفكرون كيف يستخدمون السلاح ضد جماعات هي ممن يدين بنفس دينهم فحملوا السلاح ضد إخوان لهم في الدين.
واستمر الوضع حتى بعد نهاية الحرب الأفغانية، فبلاد أخرى في أوروبا هي البوسنة والشيشان تستقطبهم وتغريهم فكرة الجهاد المغلوطة، للاستمرار في سيناريو درامي حزين ومنظمات وجهات خارج الحدود تتلقفهم وتسمم أفكارهم بمساعدة دعاة لا يخافون الله في الدعوة إلى الجهاد والنفير.
وكم سمعنا قصصا لأمهات وآباء من حولنا والدموع تنهمر كالسيل على أولادهم الذين لم تتجاوز أعمارهم السادسة عشرة والذين هجروا المنازل بلا عودة.. عمر تعتبره هيئة الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية أخرى أنه عمر الطفولة وأنهم لم يبلغوا الرشد حتى.
ماذا يجري لنا في هذا الوطن؟
وكيف سرقوا أبناءنا منا؟
ولا تنتهي القصة هنا ولكن ومروراً بمعتقل "جوانتانامو" واستمراراً لكل ما سبق يفر العشرات إلى العراق ومن بعدها إلى سورية.. بدعوى الجهاد وليعود من يعود ليقول أصبح الجهاد هناك بيني وبين ابن عمي وابن قبيلتي وقد يكون ابن حارتي ومن كان في الصف يجلس بجانبي.
هلل المهللون .. ونفخ النافخون ..وصفق المصفقون.
لكن ظلت هناك حقيقة يجب ألا نتجاهلها تبدأ في مواسم الفرح التي تصنعها النساء بداع ومن غير داع في أوقات هي أوقات فراغ، لا تجد المرأة غير شغلها بما يشغلها عن بيتها وأبنائها هو بداية مواسم الحزن والألم والفاجعة حين يهرب الأولاد على حين غرة...
أما الآباء الذين يرتادون المقاهي والاستراحات تاركين خلفهم تركة تفرح وتهلل لخطفها منهم قلوب لم تعرف إلا الدم والقتل والتدمير.
فيعتقد أولياء الأمور أنهم حين يملؤون الجيوب والبطون لهؤلاء الأولاد قد أدوا مهمتهم التربوية على أكمل وجه.. ناسين عقول وأفكار أبنائهم.
وفي الغرف المظلمة في كل بيت تحاك مؤامرة للأبناء يتلقفهم الأشرار من على أسطح الأجهزة الذكية يسوقون لأفكارهم الغريبة ولأفكارهم الضالة.
إضافة إلى ما يوجد داخل بعض المدارس وبعض المعاهد والجامعات.. من مربين ومعلمين يغسلون أدمغة جيل ويسوقونهم سوقاً إلى ساحات الحروب والقتال.. أما أولئك الذين يتربعون على بعض منابر المساجد وأولئك الذين تصدروا الفضائيات، ممن يدعون أنهم دعاة للدين الإسلامي، فهؤلاء ساهموا وساعدوا وزينوا وجملوا لأفكار هي أبعد ما تكون عن إنسان هذا الوطن البسيط النقي. بدعوى كاذبة زائفة.. وحقيرة.
والآن ها هي داعش تفرد جناحيها وتلتفت إلى مفرخة المجاهدين وتقرر أن الفرصة الآن هي أرض الجزيرة العربية وأرض الحرمين وأن الوقت قد حان.
لكن بإذن الله لن يكون نصيبهم إلا الدحض والردع والخسران.. فالإنسان في هذا الوطن .. لا يجيد فن الحروب ولا يتقنها ولا تستهويه، ولن يجد خوارج هذا الزمان غير الخسران المبين، كما أن الإنسان هنا لن ينصاع لفكر غريب وشاذ عن الفطرة الإنسانية وتعاليم رسول الرحمة للبشرية جمعاء والله خير حافظ.. وهذا أملنا به دوماً وأبداً.