أصدر نادي حائل الأدبي مؤخراً بياناً رسمياً يحمل لغة "بوليسية" هي أبعد ما تكون عن لغة الثقافة، لا بل تحمل لغته "إرهاباً ثقافياً" للمنتقدين لإدارة النادي، ومحاولة لخنق حرية التعبير بطريقة تكميم الأفواه بشكل مؤسف لم تفعله أي من مؤسسات الدولة، التي تتجاوب بالرد والتفنيد على ما يثار في الصحافة المحلية، كما نص عليه الأمر السامي بهذا الخصوص.
نفهم أن تدفع إدارة النادي الانتقادات بالتفنيد والرد والحوار، أو حتى رفع القضايا لدى وزارة الثقافة والإعلام، كونها المعنية بذلك، لكن أن يحصل العكس فهذا أمر غير مقبول ثقافياً، لا سيما في ظل محاولة خلط الأمور كي لا يتضح الحد الفاصل بين النقد والإساءة، وخاصة أن هذا الأمر جاء بعد صمت طويل لثلاث سنوات، بما يشبهه المثل القائل: صمت دهراً ونطق كفراً.
فأن تتبنى مؤسسة "ثقافية" نشر الرعب بهذه الطريقة البوليسية، في وقت يفترض أن تنشر الحوار والأدب، وأن تهتم بالثقافة لا بملاحقة المثقفين والصحافيين؛ فهذا أمر مؤسف حقاً، لا بل وصمة في جبين الثقافة والجهة المشرفة عليها وهي وزارة الثقافة والإعلام، ولا سيما أن العالم العربي يتابع الحراك الثقافي السعودي ويتتبع تطوراته الإيجابية، وهذا واضح في كل المناسبات المحلية والدولية، حيث أصبح المثقف السعودي محل اهتمام.
أما البيان إياه - الذي نشرته عدد من الصحف- فيفيد بأن نادي حائل الأدبي عقد الجزم على "مجازاة من قاموا بالكتابة..." إلى آخر البيان الذي يحمل لغة التهديد والوعيد لأبناء المنطقة، ممن كونوا رأياً نقدياً حول مسيرة النادي الحالية، فهذا آخر ما كنا ننتظره من مؤسسة ثقافية سبق أن وصفها كاتب هذه السطور بأنها أصبحت تهمش المثقفين وتعمل على طمس الهوية الثقافية للمنطقة، ويزيد عليها اليوم: تهدد وتتوعد الرأي العام بطريقة لم يجرؤ عليها (جوبلز) وزير الإعلام الهتلري الذي يتحسس مسدسه كلما ذكرت أمامه كلمة "مثقف"!
ولو تتبعنا بعض لغة البيان وفككنا "خطابه" سوف نجد أنه يحمل بين طياته تبرئة للذات بطريقة ملائكية من جهة، ولغة موغلة في التهديد والوعيد (الثقافي) توحي بوجود خصم واحد في الطرف الآخر هو الشيطان! مثل: "لمجازاة من قاموا بالكتابة"، "المهاترات الإعلامية"، "أقاويل وادعاءات مكذوبة وافتراءات مغلوطة"، "انتهاكاً واضحاً"، "نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية"، "عقوبات السجن والغرامات المالية"، "ما تعرض له كيان وسمعة منسوبيه ووصمه بالإقصاء"، "لتتبع من أساؤوا للنادي، "إزاء تلك الجرائم"، "الإيقاع بأصحابها"، "للردع ولوضع حد للتمادي"، علماً أن البيان لم يتضمن أي تفنيد للانتقادات التي قدمها المثقفون والإعلاميون، في الصحافة السعودية، وهذه تورية يراد بها تحقيق المزيد من الصمت.
نظام "الإجراءات الجزائية" معروف، ونظام "مكافحة الجرائم المعلوماتية" أيضاً معروف، وهو لحماية الإنسان، وليس لفرض المزيد من الصمت وتكميم الأفواه والتخويف من النقد الثقافي، وما جاء به النادي في بيانه ليس بجديد، حيث بإمكان أي مواطن اللجوء لمؤسسات الدولة المعنية لحمايته.
وقد جمع البيان البيض في سلة واحدة، حيث شملت اللغة التهديدية كل ما نشر في الإنترنت وبرامج ووسائل التواصل الاجتماعي، بما فيها من معرفات بأسماء حقيقية أو الوهمية "من صحفيين وغيرهم" وما نُقل عنها ومنها إلى الصحف الورقية والإلكترونية بواسطة "المحررين والمراسلين".
وفي الأخير يتحدث البيان عن المثقف وهنا تكمن المعضلة! فالبيان يعتبر المثقف "هو إنسان ومواطن أولاً وله كرامته ولا بد من حمايته من أن يمسه ضرر في احترامه وأهليته الإدارية وكينونته، فضلاً عما يحمله من فكر وإنتاج وما يتحلى به من رقي"، ولكن السؤال المطروح والمهم: أي مثقف يقصده بيان نادي حائل الأدبي؟ هل هم مثقفو مجلس الإدارة فقط، أم المثقفون خارج أسوار النادي؟