أتفكر في العمالة التي تعيش بيننا، وكيف سيقضي المسلمون منهم عيد الفطر المبارك، وهل سيقضون عيدهم وهم يبتسمون أم أنهم لن يتمكنوا من ذلك؟! أم أن عيدهم بيننا لا يتعدى بضعة ريالات نقدمها لهم؟! ليعودوا بعدها ليمارسوا أعمالهم التي قد تتضاعف في هذا اليوم عن غيره من الأيام.
لا أمانع من أن يعملوا في العيد لتسهيل استقبال المهنئين والزوار، ولكن الأمر سيكون مقبولا جدا لو بالغنا في مشاركتهم فيما نكلفهم به من أعمال، لو جلسنا معهم وتحدثنا وشاركناهم تناول الحلوى، فنشر الفرح في هذا اليوم واجب على كل مسلم وهو من تعظيم شعائر الله سبحانه قال تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب).
علينا ألا ننسى أنهم في شهر رمضان المبارك كانوا يبذلون جهدا مضاعفا وهم صيام، ومساعدتنا لهم لم تكن ذات بال، وبالتالي هم يستحقون تعاملا خاصا في هذا اليوم المبارك.. والكلام هنا لا يشمل العمالة المنزلية فقط بل جميع العمالة الوافدة.
لماذا لا تعد "الأمانات" مهرجانات خاصة بالعمالة الوافدة، قسم منها يخصص للعائلات وأخرى للشباب، على أن تستقبل الزوار إما مجانا أو بأسعار رمزية، وليت الذين يقومون بالإشراف عليها يهتمون في اشتمالها على برامج مستنبطة من التراث الثقافي لبعض العمالة الوافدة وسوق يبيع منتجات يتداولونها عادة في أعيادهم، كالحلوى والأزياء الشعبية، وحبذا لو اشتملت ـ أيضا ـ على ألعاب من التراث السعودي.. وسيكون ممتعا جدا لو شاركت الأسرة العمالة المنزلية في زيارة هذه المهرجانات وتناولت الطعام معها ولو لوقت قصير.
أتطلع إلى رعاية كبرى الشركات لمثل هذا المهرجانات، خاصة التي تحتضن الكثير من العمالة الوافدة، بل لا بد من إلزام "الأمانات" لهذه الشركات برعاية هذه المهرجانات، من باب المسؤولية الاجتماعية، فعلى حد علمي، هناك شركات لديها عشرات الألوف من العمالة الوافدة من دول آسيا، الهند، الفلبين، ودول أفريقيا.. إلخ.
أعلم يقينا أن بعض العمالة الوافدة لا تنتظر مبادرة كهذه، فقد قام بعضها بترتيب احتفالات خاصة بهم، والإقبال عليها كبير جدا، ولكن العلة من مطالبتي، هي التقريب بيننا وبينهم وإشعارنا لهم بأننا نهتم بهم، ومن ناحية أخرى نعود أبناءنا بنين وبنات على احترام الإنسان مهما كان وضعه بسيطا.
وسأعرض لكم تجربة إنسانية رائعة نفذها "قسم الدراسات الإسلامية" التابع لعمادة السنة التحضيرية في جامعة الدمام، وذلك من خلال برنامج "قيمي"، فقد قامت الأستاذة "أمينة بنت راشد التميمي" والأستاذة "هبة بنت عبد اللطيف الصالح"، بعرض تفعيل هذا البرنامج من خلال أنشطة تفاعلية تطبق على أرض الجامعة خارج القاعات الدراسية، وهنا تقدمت الطالبة "رنية بنت محمد القحطاني" من "كلية الدراسات التطبيقية وخدمة المجتمع"، بتطبيق قيمة "التواضع" من خلال إعداد وجبة إفطار جماعية تجمع الطالبات والعمالة الوافدة على مائدة واحدة، وأطلقت عليها: "كلنا سواسية"، وبحمد الله ـ سبحانه ـ نجحت الفكرة إلى أبعد الحدود وتركت أثرا إيجابيا واضحا، لدرجة أنني عرضتها على الطالبات في بداية الفصل الصيفي الحالي فاستحسن الفكرة، بل وأضفن إليها مسابقات حركية تجمعهن مع العاملات.
وفي منتصف شهر شعبان، وخلال تفعيل هذا النشاط ، كنت أتابع ابتسامات العاملات والأيدي التي تتناوب على الأطباق، فهذه يد عاملة وتلك يد طالبة، كنت أتابع بعض الطالبات وهن يقمن بخدمة العاملات، فتلك تقدم لهن قهوة وتلك توزع أطباقا إضافية، وأخيرا وهن يرفعن معا ما بقي من طعام.. كما أنني تابعت ضحكات العاملات وهن يلعبن ألعابا حركية خفيفة، وهن يحاولن الفوز على الطالبات، كنت أتابع طالباتي وهن يشجعن هذه الطالبة أو تلك العاملة، الحقيقة التي انتهيت إليها من متابعة نشاطهن، ليس فقط أنهن يستحققن درجة "قيمي" كاملة، بل إن مستقبلنا ـ بحمد الله ـ في أيد أمينة تتمتع بقيم سامية.
وجدير بالملاحظة هنا، أن الفصل الصيفي ليس خاصا بكلية واحدة، فطالباته من كليات عدة، أمثال إدارة الأعمال والهندسة والحاسب والطب وغيرها، أي أن التواضع سمة واضحة ـ بحمد الله ـ في طالباتنا على اختلاف كلياتهن.
أما النتيجة الفورية التي لمستها لهذا الحراك التفاعلي، فهي اهتمام العاملات بنا كمجتمع، فقد طلبت إحداهن دخول محاضرات الدراسات الإسلامية، وأخرى استفسرت عن سبب هذا النشاط، أما الغالبية فقد احتضن الطالبات وقبلنهن.. وقد نالني ـ بحمد الله ـ نصيب من ذلك.
ومن المهم أن أذكر أننا بوصفنا مجتمعا عادة ما نقدر هذه العمالة بهدايا رمزية، أما بنات جامعة الدمام، فلم يكتفين بإكرام العاملات، بل تناولن الطعام معهن وعشن معهن ساعات مبهجة، ستترك في نفوسهن الأثر الإيجابي، بحول الله سبحانه.
لقد أدركت أن طالبات الدمام من خلال تفعيلهن لبرنامج بهذا الشكل المتميز، أصبحن سفيرات لسماحة دينهن، ولوطنهن، فهن لم يشرن لا من قريب أو بعيد إلى تعاليم الدين أو للوطن.. ومع بساطة تعليمهن وخلفياتهن توقفن عند حسن تعامل طالباتنا بارك الله فيهن.. وخلال ذلك اليوم استحضرت عبارة سمعتها من الوالد رحمه الله: (المحبة تفعل بالأفعال لا بالأقوال). كما أنه من الواجب توجيه شكر خاص لكل من يهتم بالعمالة الوافدة، سواء أكانت مسلمة أم غير مسلمة مثل: "فيصل شريف" قائد حملة "مغتربون فاحسن معاملتهم"، التي نظمت حملة: "قميص العيد"، وشارك فيها الكثير من المواطنين والمقيمين.