"فرسان سوق المناخ"، مسرحية كويتية قام بأداء دور البطولة فيها الفنان حسين عبدالرضى وآخرون من نجوم المسرح الكويتي، هذه المسرحية تتحدث عن حقبة تاريخية شهدتها الكويت، ارتفعت خلالها عائدات النفط في السبعينات وتدفقت الأموال بشكل كبير، وعم مفهوم الاستثمار قطاعا كبيرا من شرائح المجتمع وأفراده الذين أرادوا الربح السريع والمضمون دون عناء ومشقة، وتستمر المسرحية في عرض تفاصيل تلك المرحلة وانعكاساتها على الإنسان الكويتي البسيط في قوالب كوميدية رسخت تلك الحقبة الزمنية في نفوس الناس. مناسبة هذا الشاهد أن المجتمعات الخليجية تصاب بين الحين والآخر بطفرات سياسية اجتماعية واقتصادية غريبة، تلك الطفرات تكون في مجملها مجرد قناعات وقتية ترسخها ظروف المرحلة، لتبدأ كل شرائح المجتمع بالانجراف خلف هذه الطفرات، فإن كانت سياسية عم اللغط والجدل مجالس الناس ودواوينهم، وإن كانت اقتصادية كان هاجس الثراء هو القاسم المشترك لكل حلم داعب جفون الصغار والكبار ودغدغ مخيلة الإنسان البسيط بحلم ثراء فاحش منتظر.

ونحن في السعودية لسنا بدعا من البشر، فمجتمعنا سريع التأثر بكل طفرة حياتية غريبة وعجيبة، ولعل طفرات انتشار فوائد بعض الأعمال والمهن هي السائدة في مجتمعنا هذه الأيام، ومنها يحصل الثراء لعدد محدود من الناس فيما العامة هي من تدفع وتحرس وتتضرر، فالرقية الشرعية - بمفاهيمها المغلوطة - أصبحت في هذا الزمن مهنة من لا مهنة له، فالناس يتدافعون أفواجا إلى ذلك الراقي، وهو في الغالب الأعم يستغل جهلهم وحاجتهم وضعف إيمانهم في زيادة أرصدته البنكية وحضوره الاجتماعي، بل إنه يصبح مطلوبا عند الخاصة من الناس فتسقط في شراك لبسه وتدليسه، مستعينا بهالة التبجيل التي يحيط بها نفسه، وبتعظيم المجتمع لكل من ظهر عليه لا سيما التدين والصلاح.

مثال آخر، المجتمع السعودي أصبح مجتمعا استهلاكيا بدرجة مخيفة جدا، فعامة الناس تتكالب على الشراء والتبذير والبذخ في شكليات استهلاكية تتعدى الحاجات والكماليات لتلامس سقف الشكليات والمظاهر الخداعة، كثير من الناس يعاني من ديون قاسية وأقساط متراكمة ومع ذلك فإنه لا يمانع في جلب فستان سهرة لزوجته بمبلغ كبير، ربما كان هناك كثير من احتياجاته أولى بهذا المبلغ، ولكن وتحت تأثير المظاهر ومسايرة المستويات الأكثر دخلا تجد تلك المرأة لا تمانع في شراء ذلك الفستان والتزين به لساعات بسيطة ثم ترميه لأنه أصبح وببساطة وحسب المفهوم المغلوط لها مستهلكا وعديم الفائدة.

مثال أخير، وهو ظاهرة الشهادات المزورة والتي تعكس فوبيا أكاديمية تتغشى الجهلة من الناس وأشباههم الذين يحثون الخطى تجاه لقب أكاديمي يشترونه بدراهم بخسة ثم يجعلونه أداة تعريفهم عند العامة والخاصة من الناس، إن هذه الحالة بالذات تعكس عاهة نفسية عند هؤلاء وتعكس إحساسا بالدونية أمام الآخرين ومركب نقص يستعصى علاجه من وجهة نظرهم إلا بدال يبقيهم أحياء في ذواتهم المنكسرة حتى حين، وهذا الحين إما أن يكون صحوة ضمير وهي مستبعدة، أو بفضيحة تبلغ الآفاق تكشف زيف هذا الدال.

إن مجتمعنا المحلي أصبح عرضة لكثير من المفاهيم الخاطئة، والتي يشكلها أصحاب المصالح الخاصة، والمجتمع بأفراده يقتاتون هذه الأخطاء ويعيشونها واقعا ينمق حياتهم حتى حين، ويصحون فجأة على وقع الحقيقة المؤلمة والتي مفادها أن ذلك كان زيفاً وتدليساً وخطأ، وأن الإنسان البسيط في الغالب هو من يدفع فاتورة ذلك الفهم الخاطئ وتلك الطفرة المجنونة.