أيها الأحجار ثوري واقذفينا

أمسنا كان حزينا

أشعلي شيئا من الإحساس فينا

واقذفينا!

كتبت النص السابق أيام انتفاضة الطفل والحجر الفلسطينيين، التي أذهل أطفال الحجارة بها العالم وأدخلوا لقواميس الدنيا كلمة جديدة لم يعرفوها قبلا، وهي كلمة انتفاضة.

فلسطين وقتها علمت الحجر الكلام والشجاعة والانطلاق بسرعة البرق.

في حديثنا اليوم لن تفارقنا عزة غزة، ولا علامات التعجب من تاريخ أرض أحجارها بثمن أرواح أبنائها!

المساحة غير كافية للحديث عن فلسطين التي سكنت وجداننا، وباتت قضيتنا التي يتاجر بها الخائن، فيكسب ويموت أهلها كل يوم؛ ليعيش بقية العرب يوما أبعد عن مواجهة إسرائيل.

لكنني فقدت ذاكرتي مع فلسطين وسأعود لتاريخها، الذي أعرفه وعشته، وعاشه معظم العرب، أو من يتباهون بعروبتهم وعروبيتهم.

ولها أقول:

أبعد ستين عاما لم تزل قدرا

يغتال كل مزامير المعادينا

أبعد ستين عاما من تخاذلنا

يعلم الطفل ميتا ما تناسينا

الحكاية بدأت قبل عقدين، حين أقرت دولة فلسطين ولم يعترف بها العرب لأن الغرب لم يعترف بعد بدولة فلسطين، فلم تكن الهوية الرسمية للفلسطيني تعني شيئا ولا أدري هل اعترف العرب بدولة فلسطين بعد أم لا؟!

لا يهم هذا اليوم، فحكاية فلسطين نما وعينا عليها في حرب سنة ثلاثة وسبعين وكنا أطفالا نرى الطائرات التي تحلق في السماء ونسمع بحرب العرب مع اليهود هل تصدقون؟ كان العرب يحاربون اليهود ويحققون نصرا قبل أربعين عاما يا غزة هل تعلمين؟!

وقبلها بست سنوات حرب 67 كنا نحارب اليهود، ولم يكن أحد يفكر أن يصالحهم بصوت عال.. كان الخونة يستترون حينها.

بدأت حكايتها قبل ستين عاما أيضا، عندما غادر الفلسطينيون مكرهين أرضهم حاملين مفاتيح بيوتهم على أمل العودة.

والحكاية بدأت بوعد بلفور وقبلها مؤتمر يبحث عن حل سرطاني يشل الأراضي العربية المسلمة فتبرع الصهاينة أن يكونوا هذا السرطان.

وقبل كانت صلاح الدين، وقبله الحروب الصليبية، وقبله دخول الخليفة الثاني عمر رضي الله عنه القدس فاتحا وقبله كانت قبلة نبينا الأولى.

فلسطين أناشيد الطفولة في حينا القديم الذي كان مسكونا بجيراننا من يافا والقدس والضفة، وحديث عن خضرة الأرض وجمال البر والبحر والهواء؛ لذلك بقيت أرض الميعاد لنان وحين همست لي صديقة الطفولة منهن يوما قائلة: (بتعرفي إن البرتقال أبو دم يجي من فلسطين؟).. لك الله يا فلسطين حتى برتقالك بدم!

فلسطين غصن الزيتون حمامة السلام المحلقة بكرامتنا وأرواحنا التي لا تهاب أفاعي الصهاينة.

فلسطين مات نزار قباني الذي قال يوما مخاطبا أطفالك:

يا تلاميذ غزة لا تعودوا لكتاباتنا ولا تقرؤونا

نحن آباؤكم فلا تشبهونا نحن أصنامكم فلا تعبدونا

علمونا فن التشبث بالأرض ولا تتركوا المسيح حزينا

يا أحباءنا الصغار سلاما جعل الله يومكم ياسمينا

من شقوق الأرض طلعتم وزرعتم جراحنا نسرينا

هذه ثورة الدفاتر والحبر فكونوا على الشفاه لحونا

إن هذا العصر اليهودي وهم سوف ينهار لو ملكنا اليقينا

اليهود يتمنون هدنة وهم الباطشون، يخافون من زغاريد أمهات الشهداء، ومن صمود الأرض وصمود أهلها، يراقبون الصواريخ التي يتلقاها أهل غزة وهم صائمون، أو مجتمعون على طعامهم الأخير مع أحبابهم على الأرض.

تؤلمهم غزة؛ لأنها صامدة، وتؤلمنا لأننا لا نقوى على دفع الموت أو الوجع عنها، وهي تبتسم للموت وهي تعلم أنها تبتسم للحياة.

يقول شاعرها تميم البرغوثي مخاطبا الصهاينة:

ستون عاماً وما بكم خجـلٌ

المـوت فينا وفيكم الفزعُ

أخزاكم الله في الغزاة فما

رأى الورى مثلكم ولا سمعوا

حين الشعوب انتقت أعاديها

لم نشهد القرعة التي اقترعوا

لستم بأكفائـنا لنكرهكم

وفي عَداء الوضيع ما يضعُ

غزة: مات الشعر والشعراء أمام صمودك ونطق صمتك وصبرك؟ قديما قال شاعرنا غازي القصيبي وهو حي بين أمواتنا:

يشهد الله أنكم شهداء

يشهد الأنبياء.. والأولياء

مُتّمُ كي تعز كلمة ربي

في ربوع أعزها الإسراء

انتحرتم ؟! نحن الذين انتحرنا

بحياة.. أمواتها الأحياء

أيها القوم نحن متنا.. فهيا

نستمع ما يقول فينا الرثاء

وشكونا إلى طواغيت بيت أبيض

ملء قلبه الظلماء

فلسطين غزة، لطالما هتفت قلوبنا شوقا وتعلمنا منك أن القوة أن تكون من فلسطين، وأن الصمود أن تكون غزة،

أو كما قال أحدهم معترضا غزة فوق القصف لا تحته!

العالم وسط صمتنا، يشير إليك حتى إن الصهاينة أقروا بفشلهم في خداع الرأي العام الذي هتف في العالم كله لك، فنصرك الغريب بعد أن تخلى عنك القريب، وبكى لأطفالك غير المسلمين، بعد أن استنكر بعضنا على "حماس" ولم يستنكر على عدوك!

الجميل أن بعضنا ربما عرف عدالة قضيتك، بعد أن التفتت حسناوات العالم بأعلامك الفاخرة، وتضامنوا مع دمائك الزكية وصرخوا في وجه عدوك.

رأيناك عناوين رئيسة للصمود ورأيناك محرابا للحق وقبلة للنصر. تطبعين قبلة على أرواحنا المتعبة وتسقين يباس يأسنا أملا.

كم أنت رائعة، وكم أنت عيد للمجد والفخر.