تساءلت في تويتر لماذا ومنذ متى وكيف تغير الدوام في رمضان؟ ولماذا اضطرب النوم في رمضان في المملكة على هذا النطاق الواسع؟ وشعرت أن عندي بعض إجابة يمكن كتابتها وتوثيقها وطرحها للرأي العام.

أصبح النوم في رمضان نهاراً هو الأساس، وهذا عكس الفطرة وعكس ما يحدث في بقية دول العالم الإسلامي وغير الإسلامي، وأعتقد أن السبب الرئيس في ذلك هو تنظيم الدوام في رمضان. وللأسف الشديد.. إن تأخير الدوام في رمضان لا يمارس في كل دول العالم الإسلامي، بل بقيت كثير منها على نظامها العادي من خلال تنظيم ساعات الدوام وساعات فتح وإغلاق الأسواق وعمل المواصلات العامة... إلخ.

في رأيي أن النوم في رمضان نهارا والسهر فُرض على الناس بحكم تنظيم الدوام في رمضان، وللأسف، بدا كل صوت يطالب بتغيير ذلك وكأنه "يغرد" خارج السرب، فنظام الدوام في رمضان سبب واضح في جعل ليلنا نهارا ونهارنا نوما وسبب في ضعف إنتاجية الموظفين والطلاب في رمضان. فالدوام في رمضان يبدأ متأخرا، ويفوت أول ساعات النهار بما تتميز به من إنتاجية، ويضغط ساعات العمل حول صلاتي الظهر والعصر.

وللأسف فقد تأصل هذا النمط غير الطبيعي في حياة الناس، ليس فقط على مستوى المملكة، بل على مستوى الخليج وبعض دول العالم العربي، وأصبح أصلاً بحكم ما نراه من نظام البث وتوقيت البرامج في الفضائيات في رمضان. وقد كان لزاما أن يتغير نظام المجتمع في الخليج والدول المجاورة تبعاً لحجم المملكة اجتماعياً واقتصادياً. وقد سألت مرة في تويتر، في أي عام تغير الدوام في رمضان؟ وللأسف، فإن جيلاً كاملاً لا يتذكر التاريخ ويسلم بهذا النمط، ولم يتساءل حتى مجرد تساؤل عن أسباب وخلفيات هذا النمط، بل أزعم أن اعتياد الناس السهر في غير شهر رمضان منشؤه اعتياد السهر في رمضان، خصوصاً عندما أصبح رمضان جزءاً من الإجازة الصيفية.

إن تأخير بدء الدوام يتنافى مع الطبيعة، ففي الليل أطول فترة بين صلاتين هي الفترة بين العشاء والفجر تركت للنوم، وهناك صلاتان في الليل وثلاث في النهار. وهذا النظام يعمل ضد الساعة البيولوجية التي تنظم إيقاع العمليات الحيوية في جسم الإنسان، قال تعالى "من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه" وقال "فالق الإصباح وجعل الليل سكناً"، وقال تعالى "وجعلنا النهار معاشاً" ولنا أن نتخيل ما يترتب على ذلك من آثار على الصحة العامة والاقتصاد.

إن التبكير بالدوام في رمضان هو الأكثر توافقاً مع الفطرة السليمة والصحة الجيدة والاقتصاد القوي، وليس تأخيره، فالنوم في رمضان وغير رمضان وقته الليل وليس النهار. وإن أفضل ما يستخلص من الحكم من فرض الصيام قوله تعالى "لعلكم تتقون". ومع تغيير ساعات الدوام ليكون مبكراً في رمضان، سيتغير إيقاع الحياة، ويعود إلى نمطه الطبيعي، وستتغير ساعات الذروة في الشوارع نهاراً وتهدأ ليلاً، وسيتبع ذلك اعتدال ساعات النوم في رمضان.

من الآثار السلبية للسهر وتغيير نمط النوم في رمضان على الأفراد، القلق والإجهاد والتوتر وازدياد السمنة وضعف المناعة. كما أن اضطراب النوم في رمضان يؤثر سلبا في المجتمع على التحصيل الدراسي والصحة العامة وعلى الأمهات العاملات وصحة الأطفال وغير ذلك. فإذا كان الكبار يمارسون النوم في رمضان نهارا والسهر ليلا بمحض إرادتهم فإنه يعني آثاراً سلبية على صحة الصغار فما ذنبهم؟ أما تفاصيل الآثار الاقتصادية المترتبة على تغيير الدوام وأنماط النوم فقد تصعب دراستها، إلا أنه كذلك يصعب تجاهلها.

صحيح أن ليل الصيف قصير، وفرصة النوم في رمضان أقل، لكن تذكروا أننا نمارسه بحكم تأخير الدوام في رمضان لأكثر من دورة فلكية عبر حوالي 30 عاما، مر علينا حلول شهر رمضان في أكثر من صيف وأكثر من شتاء.

أعود بالذاكرة إلى حوالي أربع عشر سنة عندما كنت مديرا عاما للصحة المدرسية، فقد كلفني معالي وزير التربية والتعليم آنذاك د. محمد الرشيد (رحمه الله) ضمن لجنة لدراسة إيجابيات وسلبيات تأخير الدراسة في رمضان، فخرجنا بورقة تحوي الكثير من المبررات والدواعي، وتدعو إلى بدء الدوام مبكراً في رمضان. وقد عرضتها في لقاء مديري التعليم بالمدينة المنورة في محرم 1422، وباركها مديرو التعليم، لكنها توقفت في نصف الطريق.

أرى أن يعاد نقاش الدوام في رمضان ويطرح لأكبر شريحة من المجتمع وأهل الرأي، وبموجب تقليل المفاسد وترجيح المصالح، ولا ينفرد بالقرار جهة أو لجنة أو فئة لها رغباتها. فقد كان النقاش حول الدوام في رمضان داخل وزارة التربية يدور في تلك الفترة بين فريق لديه أدلة ووجهة علمية، وفريق ملخص حجته "لا تلخبط علينا". وقد كتب الكتاب وتكررت الأعمدة الصحفية مطالبة بتعديل الدوام ونظام النوم في رمضان، وما من أُذن صاغية.

بعض الدول الخليجية والعربية أجلت بدء الدوام في رمضان، إلا أنه لم يشمل المدارس كما حدث في السعودية منذ حوالي 30 عاما، فقد سبقنا دول المنطقة في هذا التقليد، حيث بدأ نظام تأخير الدوام منذ العام الدراسي 1406/1407هـ، مع أن متابعة بعض الدول لما يحدث في السعودية ليس دليلاً على صحته، وليس مبررا لفوضى النوم في رمضان. وللمعلومية، فبدءاً من عام 1437هـ ستعود الدراسة إلى رمضان، وقد تستمر حوالي 16 سنة ويكون رمضان فيها داخل أشهر الدراسة، فهل سيستمر الدوام في رمضان والنوم في رمضان على هذه الحال؟

ولو سألتموني لماذا استمر الدوام في رمضان بكل سلبياته لثلاثة عقود؟ لقلت: هذا تاريخ، وكثير من الأشياء التي دونها التاريخ وقرأناها بعد أزمنة تظهر لنا وكأنها مزحة. فإن لم يكن من المجدي الآن استرجاع الآلية والظروف التي اتخذ فيها القرار، فليس هناك خطأ في التعلم والمراجعة بناء على التجربة ومعطياتها. أعلم أن موضوع الدوام في رمضان سيثير جدلا وتضاربا في الآراء، كما أن تحضير الرأي العام والتمهيد لإصدار القرار يحتاج وقتا وجهدا، إلا أن الأمر في رأيي في نهاية المطاف بحاجة إلى رأي سديد يدعمه ركن شديد. وكالعادة، إذا جاء القرار، فستأتي بعده مباركات من أناس كانوا يعترضون عليه ذات يوم.