قبل أسابيع قليلة أو لنقل مجرد أيام معدودة لم يكن صاحبنا سوى رقم عادي ضمن ملايين الأفراد، ولكن اسمه -وخلال ساعات قليلة- صار حديث الجميع وفاكهة المجالس، والأكثر من ذلك أنه تحوّل إلى ظاهرة تزداد انتشاراً كما كرة الثلج حينما تتدحرج من الأعلى!
في البداية كان الأمر مجرد مزحة خاطفة، وتوثيقاً لحدث لم يكن مخططاً له، لكن كل ذلك لم يستغرق سوى دقائق قليلة، ليظهر المقطع المصوّر للجميع على وسائط الاتصال الاجتماعي، وما هي إلا لحظات حتى بدأ المقطع بالانتشار "الفيروسي"، بالطبع ساهمت ثورة الهواتف الذكية، وسهولة الوصول إلى شبكة الإنترنت على سرعة تداول مقاطع الفيديو وغيرها، بل إنها سهّلت كذلك إنتاج ومونتاج مثل هذه المقاطع، بواسطة البرامج السهلة والبسيطة، والتي كانت قبل سنوات قليلة بحاجة إلى أنامل شخصٍ خبير، حتى تستطيع إنتاج أي مقطع مهما كان قصيراً وبدائياً، وبينما اليوم الجميع قادر على تصوير ثم مونتاج ما يريد بكل بساطة، ودون الحاجة لأحد.
وهكذا تحوّل صاحبنا إلى نجمٍ شهير، وأضحى مضطراً إلى الظهور مرة أخرى ومرات متتالية في شبكته الاجتماعية التي اشتهر من خلالها، سواء في "الكيك" أو "يوتيوب" أو حتى "الانستجرام"، وبالطبع ها هو يقع في مأزق سبقه إليه الكثيرون، وهو مأزق "الشهرة المفاجئة"، تلك الشهرة التي لم تأخذ وقتها ولم تصل إليه بالتدريج، ونظراً لكونه شخصاً عادياً ودون مهارات فنية أو إدارية، فالمتوقع أن ينبهر بسرعة بأضواء الشهرة واهتمام وسائل الإعلام، رغم أن ما قدمه -ولا يزال يقدمه- لا يعتبر شيئاً يستحق الاهتمام؛ سوى أنها كانت لحظات عفوية، كما هو الحال في الكثير من مشاهير وسائط التواصل الاجتماعي، الذين اشتهر بعضهم نظراً لكونه مهرجاً أو مقلداً أو ناقلاً بحده الأدنى، بينما استغرق المشاهير الآخرون ممن يقدمون محتوى مفيداً فترات طويلة حتى استطاعوا الوصول إلى أرقام جماهيرية معتبرة، على الرغم من استمرار وجود فارقٍ كبيرٍ بين مشاهير المحتوى الجيد وبين مشاهير المحتوى التافه.
والحقيقة أن الحديث عن ظاهرة نجوم الصدفة في منطقتنا العربية ليس جديداً، بل سبق أن ناقشته إحدى جلسات منتدى الإعلام العربي بدبي في دورته الماضية، وذلك ضمن الجلسة الحوارية: "الإعلام الجديد: ظواهر جديدة"، والتي رغم استضافتها لبعض مشاهير الإعلام الجديد إلا أن الحديث بصراحة عن هذه الظاهرة سبب غضباً كبيراً لدى أولئك المشاهير، الذين قفزوا إلى مواقع المقدمة دون تأهيل أو تدريب أو حتى تهيئة بسيطة، فلك أن تتخيل أن أحد أبطال المقاطع التافهة، والذي كان لسانه لا يتوقف عن إلقاء البذاءات يصبح بطلاًً لأحد مسلسلات الدراما السعودية في رمضان، ويبدأ بإلقاء المواعظ والحكم، دون أن يلاحظ أنه لا يزال مستمراً في تقديم محتواه الهابط في المسلسل نفسه!
للأسف رغم وصول هؤلاء الشباب إلى الشهرة سريعاً، وقفزهم لمراحل عديدة وسنوات طويلة، إلا أن كثيراً منهم لم يستطع انتهاز هذه الفرصة، بالعمل على تطوير نفسه وثقافته، وبناء نموذجه الفني، حتى يستطيع الاستمرار في عالم النجومية والإعلام، بل على العكس من ذلك، فالكثير يستمر بتقديم نفس محتواه الذي ظهر فيه منذ البداية، لأنه وببساطة لا يستطيع إبداع شيء آخر، ليكتشف بعد فترة ابتعاد الجمهور وانحسار الأضواء عنه، أو يقوم بعضهم بالظهور بشكل مختلف تماماً، ولكنه ظهور غير منهجي وغير مبني على أسس فنية مدروسة؛ ليدمر شهرته وما وصل إليه بشكل مأساوي مثير للشفقة.
رغم أن الحل بسيط وفي متناول اليد، ويعتمد بشكل أساسي على النجم نفسه، فإذا كان النجم لا يستطيع تطوير نفسه ومنتجه فلم لا يستأجر أحداً ليقوم بإدارة النجم نفسه وإدارة أعماله، وهذا في الحقيقة هو ما يقوم عليه كثير من نجوم الغرب، فالنجم في نهاية الأمر يبقى شخصاً عادياً متفوقاً في مجال فني محدد، ولا يستطيع أن يدير أعماله ويطور منتجاته إلا بواسطة شخص محترف مدرّب، وهو ما يطلق عليه مصطلح "مدير الأعمال"، والذي يتجاوز عمله في بدايات النجم مجرد إدارة أعماله ومشاركاته، إلى التدخل السافر في حياة النجم الشخصية وإعادة بناء ثقافته المعرفية، وعلاقاته الاجتماعية، ومهاراته الفنية، بما يتناسب مع واقعه الجديد وفرصه التي قد لا تعود مرة أخرى.
قد لا يدرك الكثير من مشاهير الصدفة أنه وصل إلى القمة بواسطة خطوة واحدة بلا تخطيط، قد لا تتجاوز فيديو أو اثنين، بينما كثيرٌ من المبدعين في فنون متعددة يستغرقون سنوات طويلة من أعمارهم ويخسرون الكثير من بهجة حياتهم فقط ليقتربوا من ملامسة الشهرة!
لكن عودة الكثير من مشاهير الصدفة إلى وضعهم السابق خلال فترة قصيرة قد يكون الناقوس الذي يدق الخطر لمثل هؤلاء، فهل يتنبه الباقون في دائرة الشهرة والقادمون الجدد لهذه المعضلة؟ ويعملوا بشكل جاد على بناء نموذجهم الفني، وتطوير نجوميتهم المجتمعية، واستقطاب من يدير أعمالهم بشكل تسويقي مستدام، هذا ما نتمنى أن نراه في قادم الأيام.