أكثر ما يحزنني ويجعل قلمي يتحرك العنصرية بين أبناء الوطن الواحد.

ويصيبني اليأس حين أرى مقال ذلك الكاتب أو ذاك، الذي يحاول التهجم أو التقليل أو انتقاد قبيلة أو سكان منطقة أو فئة من فئات المجتمع، ضمن مجموعة من الناس هم من أبناء وطنه، بغض النظر عما في هذه الجماعة من صفات سيئة أو غير مرغوب بها.

نحن في مرحلة زمنية يجب أن نؤلف الصف ونوحد القلم ونكتب بإحساس صادق يعالج ولا يجرح، يناقش ولا يتطاول، يطرح حلولا، ولا يضغط على الجروح فقط من أجل أن يدميها.

وبين صاحب القلم الذهبي المبدع والقادر على طرح القضايا ومعالجتها وبين المنتقد والمؤجج شعرة قد تفوت وتخذل هذا أو ذاك من الكتاب.

قرأت لكاتب كبير ذات يوم مقالا لا أشتم منه إلا راحة العنصرية البغيضة المقيتة.. في سباق على التهكم والتجني الدائم على مجموعة من المنتسبين إلى منطقة من مناطق بلادي.. وقد فاحت من المقال رائحة مناطقية كريهة كنت أطمح أنها ربما اندثرت على أقل تقدير بين طبقة المثقفين في بلادي.. حيث يجب أن نكون موضوعيين في طرحنا وفي عرض أفكارنا، وإذا كان هناك خطأ يرتكبه أفراد فيجب ألا نحمل الجميع الخطأ فنطلق الأحكام على جماعة كاملة.

إضافة إلى عدم الموضوعية في الطرح.. ففي كل خرائط الجغرافيا وعلى مدى السنوات الماضية والحالية يعاني أبناء وطني من العنصرية المقيتة، فيرى كلٌ أنه هو الأفضل والأحسن والأبقى، وكأن كل جماعة هم (شعب الله المختار)، وهذه هي مشكلتنا الأزلية حتى فيما بيننا ممن ينتسبون إلى هذا الوطن.

على مستوى المدن أو المناطق أو حتى القبائل والعوائل لا يوجد من هو أفضل من الآخر إلا بإنجازه وإبداعه وتميزه وخدمته أرض هذا الوطن.

وهناك مقولة: (كل عزيز بقومه) لكن للأسف يفهمها أبناء وطني بطريقة خاطئة بأنها (أنا مع جماعتي ولي الحق أن أقصي الآخر) ولا أراه أو حتى أعتبر به.

حين يفكر بهذه الطريقة ابن الثقافة وابن القلم الحر وابن الفكر النير كما كنا نظن فهذه مصيبة وهي الطامة الكبرى.

فلا بأس لو فكر هذا التفكير ابن الشارع البسيط المتوسط الثقافة الجاهل الذي قد لا يفك الخط فلا يعرف كيف يكتب اسمه لذا فهو لم ينل فرصته من تغيير أفكاره وتوجهاته.

تؤلمني كما تؤلم الكثيرين تلك المقالات التي تخرج لنا بين فترة وأخرى تهاجم أبناء الوطن بلا موضوعية أو شفافية.. ويا قلب لا تحزن.

ومهما بلغنا من العلم ومهما بلغنا من الثقافة ومهما خرجنا وسافرنا وتعلمنا وانفتحنا على العالم يظل ذلك الحاجز والجدار والسد بين أبناء الوطن الذي يجب أن يكون موحدا ضد كل صنوف العنصرية وكل أفكارها البغيضة.

افتخر بقومك ولكن لا تهمش الآخر.. انتقد عيوب الآخرين لكن لا تنسى عيوبك المشابهة.. وأفضل من الفخر والانتقاد حاول أن توجد مساحة من تقبل الآخرين وتعايشهم مع بعضهم البعض على هذه الأرض.

إن الكارهين يفرحون ويهللون.. لكن هل ما يكتب يعد كلاماً صائباً ويجسد الحقيقة والواقع؟!!

أم هو مرض العنصرية الذي ينخر في جسدك يا وطني في كل المناطق وفي كل القبائل وفي كل الطبقات ولم يسلم منه أحد، كل يعيب ويهمش ويرفض الآخر؟

فظاهر الكلام مهاجم وحاقد وكاره وباطنه مؤلم وموجع ومرفوض.

ولو صدر من سائق التاكسي أو من بائع الخضروات في السوق الشعبي لكان أهون علينا من أصحاب الفكر الحر والثقافة الواسعة وأكثر من ذلك أصحاب الأقلام الذهبية.

وسقطات أصحاب الأقلام لا تغتفر.. فما يكتب يسجله التاريخ ويحفظه.