حينما يأتي شخص له قيمته في قيادة الرأي كزميلنا علي الموسى بقول "يمايز" فيه بين المناطق، ويحدد قابلية كل منها لقيادة المرأة التي تنعكس عن معان حقوقية للنساء، فإننا نستنكر هذا الرأي الذي يحتمل أن يكون مؤثرا سلبيا في صياغة ردود الأفعال ولو بنسبة معينة، وهذا ما كان منه في لقاء رمضاني على روتانا الخليجية، رأى فيه أنه من الممكن أن تقود المرأة السيارة في الرياض ويستحيل ذلك في أبها!.

بغض النظر عن قضايا المرأة التي مازالت تقبع في ظلال التخاذل النظامي والجدل المجتمعي، ولكن بشكل عام كانت المفارقة الخاطئة في الحديث عن أبها بشيء من الانتقاص، وبتجاهل تاريخها الفكري والثقافي، ونقاء أريافها قبل التمدن، وبالأخص حالة المرأة، بمقابل الرياض المتحضرة بتجاهل الخطاب الصحوي الذي صنع التشدد وعمم إنتاجه، ولو انطلقنا في مفهوم التحضر من ناحية الاكتساب التدريجي للقيم الحضرية، وما يرتبط بها من أنماط السلوك الحضري، وباعتبار أنها تشكلت من نسبة كبيرة من الأسر النازحة من المناطق التي لم تحظ باستحقاقها التنموي، إلا أننا ندرك أن تحضرنا العام كان تحضرا شكليا غيب قيم الإنسان، وبالتالي فإن المجتمع لا يختلف كثيرا في أنساقه ومفاهيمه، إنما زاده التحضر تعقيدا.

هذا الرأي المحبط الذي يكرس الدونية يجلعنا نشعر بالعجز عن القدرة في صناعة الفرق في محيطنا البسيط، فضلا عن المجتمع الذي ننتمي إليه، ولو استعاد المجتمع الجنوبي ثقافته لكان أكثر تقبلا لتحرر المرأة، وحين ترفع الفروض القسرية عن الفكر الاجتماعي، سيكون قادرا على صياغة فكره من جديد، لا سيما أن المجتمع السعودي سهل التشكل، وتتغير صفاته بأسلوب التقليد بشكل دائم.

التغييرات المهمة يمكن الاشتراك في انتاجها بتعدد الأفعال، ولا شك أن المجتمع مايزال يواجه الكثير من المعوقات التي تعرقل التغير في أبنيته، ولكن هذا لا يعني أن التغير لن يحدث فضلا عن حدوثه بشكل مستمر وتدريجي ومرحلي، تبعا لطبيعة الديناميكية الاجتماعية ونسبية المؤثرات، وعلى سبيل المثال، كان الفرد الجنوبي بفعل العنصرية يخجل من انتمائه، ولا يتحدث بلهجته الأصلية؛ كي لا ينتقصه الآخرون، واليوم نرى شباب الإعلام الجديد يقدمون أنفسهم كمثقفين، ويطرحون أفكارهم وانتقاداتهم بعذوبة اللكنات المناطقية نحو هدف واحد وهو الوعي.