شهدت عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين تدهوراً مقلقاً خلال الأيام الأخيرة، خاصة بعد رفض حكومة بنيامين نتنياهو الوفاء بالتزاماتها بخصوص إطلاق الدفعة الأخيرة من الأسرى الفلسطينيين، والرد الفلسطيني على ذلك الانتهاك الفلسطيني بتقديم طلبات عضوية إلى 15 منظمة دولية، الأمر الذي اتخذته إسرائيل ذريعة لتوجيه الاتهام إلى السلطة الفلسطينية بوضع العصا في عجلة عملية السلام والتسبب بإفشالها. وقد ألقى دنيس روس محاضرة في منتدى سياسي عقده "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" في 4 أبريل الحالي تحدث فيها عن آفاق عملية السلام والخيارات الموجودة حالياً أمام هذه العملية. ويقول تقرير معهد واشنطن إن وزير الخارجية الأميركي جون كيري تمكن في الصيف الماضي من حمل الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على استئناف المحادثات الثنائية، لكنها لم تكن مثمرة. ونتيجة ذلك، أصبح هو وفريقه، برئاسة مارتن إنديك، أكثر انخراطاً تدريجياً في التعامل مع كلا الطرفين. كان كيري يهدف إلى تحديد أن قبول المبادئ الإطارية سوف يوفر الأساس لمفاوضات مفصلة. وقد أثمرت جهوده عن إجراء مناقشات، هي الأكثر جدية وتفصيلاً حول القضايا الأساسية منذ عام 2000، التي أحدث خلالها على ما يبدو بعض التقدم.
مشكلة إطلاق سراح السجناء
في الصيف الماضي وافق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على إطلاق سراح سجناء فلسطينيين موجودين في سجونها منذ ما قبل اتفاقيات أوسلو على أربع دفعات. وقد شملت الدفعات الثلاث الأولى سجناء فلسطينيين فقط، وكانت الدفعة الأخيرة ستشمل إطلاق سراح عرب إسرائيليين، وهي مسألة يصعب تقبلها على المستوى الداخلي، الأمر الذي جعل نتنياهو يتراجع عن التزاماته في إطلاق سراحهم، وبدأ الجانب الإسرائيلي يطالب بضمانات بشأن استمرار الفلسطينيين في المفاوضات إلى ما يتجاوز التزامهم المحدد لشهر أبريل. وفي المقابل، أشار محمود عباس إلى أنه لا يستطيع قبول إطار كيري في وضعه الحالي. ومن أجل القيام بذلك، طالب بإطلاق سراح المزيد من السجناء وإعطاء بعض التأكيدات حول المستوطنات الإسرائيلية.
وقد عملت واشنطن مع كلا الجانبين من أجل صياغة حزمة للتغلب على هذه المشاكل والحفاظ على استمرار العملية. وبموجب هذا الترتيب، تقوم إسرائيل بتنفيذ الدفعة الرابعة بإطلاقها سراح سجناء فلسطينيين، فضلاً عن عدة مئات إضافيين، وتوافق أيضاً على وجود قيود على النشاط الاستيطاني. وفي المقابل، يوافق عباس على إطالة أمد عملية التفاوض على الأقل حتى نهاية هذا العام ويحجم عن الذهاب إلى الأمم المتحدة أو السعي إلى الانضمام إلى المنظمات والمعاهدات الدولية.
تقييم الحزمة الأميركية
تستند الحزمة الأميركية على عدة معايير. أولاً، إن كان الوزير كيري قد حقق فعلاً تقدماً حقيقياً كما يعتقد، ينبغي الحفاظ على ذلك التقدم بدلاً من تركه يضيع بانهيار العملية. ثانياً، نظراً للاضطرابات التي تمر بها مناطق أخرى في الشرق الأوسط، هل لدى واشنطن الرغبة الفعلية في إضافة احتمالية نشوب اضطرابات حقيقية بين الإسرائيليين والفلسطينيين؟ ثالثاً، نظراً للتطورات الدولية الراهنة، تحتاج واشنطن لإظهار مؤشرات حقيقية على فاعليتها وقوتها، وليس على عدم فاعليتها.
نحو الخروج من المأزق
يستعرض تقرير معهد عدداً من الخيارات التي تواجه عملية السلام في المرحلة القادمة.
الخيار الأول- إنقاذ الحزمة: للخروج من هذه الأزمة، بإمكان الفلسطينيين تعليق جهودهم الرامية إلى الانضمام إلى الاتفاقيات الخمس عشرة، في حين يُمكن لإسرائيل المضي قدماً في الإفراج عن الدفعة النهائية.
الخيار الثاني- دعوة الأطراف للجلوس على مائدة المفاوضات في واشنطن: إذا كان الخيار الأول غير مجدي، يمكن أن يقوم الوزير كيري بإرسال خطاب مكتوب يحدد المبادئ التي تعتبر بمثابة شروط مرجعية ودعوة الزعيمين لإرسال فرق إلى واشنطن للتفاوض على الأساس الذي يتمسك به كل منهما. إذا ما وافق الجانبان ببساطة على تلبية دعوة الولايات المتحدة، فبإمكانهما الابتعاد عن الشروط مع الحفاظ على بعض الغطاء السياسي. ولجعل هذا النهج أكثر جدوى، يمكن لواشنطن الحديث عن خطوات متزامنة ويمكن لكلا الجانبين اتخاذها لخلق مُناخ أفضل لإنجاح هذه المفاوضات. بيد أن هناك جانباً سلبياً محتملاً يتمثل في أنه لو استجاب الإسرائيليون والفلسطينيون للدعوة كتابة، فمن المرجَّح أن يحددوا مواقف يكون من الصعب التراجع عنها لاحقاً.
الخيار الثالث- عرض "التقدير الأمثل" من قبل الولايات المتحدة بشأن كيفية حل الصراع الدائر: بإمكان كيري أن يعلن أيضاً أنه بعد شهور من بذل جهود جادة، فإنه سيقدم "تقديره الأمثل" بشأن متطلبات حل القضايا الأساسية، على الأقل من حيث المبدأ. فإذا لم يكن الجانبان على استعداد لقبول التقدير الأمثل من جانب واشنطن في هذه المرحلة، فإن ذلك سوف يُعتبر أساساً كاستراتيجية انسحاب. وبدلاً من ذلك، إذا كان الجانبان لا يريدان الإعلان عن هذه المبادئ الأميركية على الملأ كونها معايير جديدة لتسوية الصراع، فبإمكان كيري استخدام هذا الخيار سراً كتكتيك لإعادتهما إلى الحزمة الحالية. غير أن الشيء الوحيد الذي لا يستطيع المرء أن يفعله في هذه المفاوضات هو الخداع.
الخيار الرابع- التنسيق الأحادي لاستعادة الثقة في حل الدولتين: يمكن أن تعمل واشنطن أيضاً بشكل منفصل مع كل جانب، وليس كجزء من المفاوضات الثنائية الجارية. وبالإمكان تحقيق ذلك بصورة أيسر من التوصل إلى اتفاق رسمي. ومن مشاكل الجهود الحالية أنها لم تسع إلى تبديد حالة الريب العميق وعدم الثقة الكبيرة المحيطة بالمفاوضات. وفي حين أنه يمكن استرداد الثقة، إلا أنه من الصعب استرداد الإيمان واليقين عند فقدهما.
ويمكن للخطوات الأحادية الجانب أن تشمل أيضاً عملية "إعادة انتشار إضافية" ثالثة للوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية - وهو من شروط اتفاقية أوسلو التي لم يتم تنفيذها مطلقاً. وإذا وافقت إسرائيل على تلك الخطوة، فبإمكان واشنطن أن تطلب من الفلسطينيين تقديم ضمانات في المقابل لمعالجة المخاوف الإسرائيلية.