يعد فيلم "المتسوّل" الذي تم تقديمه منتصف الثمانينات أحد أهم الأفلام العربية التي ناقشت ظاهرة التسوّل، وكشفت عوالمها وحيلها وخفاياها الداخلية، في قالب كوميدي لعب دور البطولة فيه عادل إمام وسيد زيان وإسعاد يونس.. ورغم أن الكثيرين باتوا اليوم يدركون أن التسول أصبح عملا منظما إلا أن عاطفتهم تتحرك، وينهزمون عند أول مواجهة مع متسوّل، خاصة حينما يستخدم الأطفال كوسائل ضغط.. لا تنفع حينها توعية ولا أفلام ولا عادل إمام!.

قبل سنة شاهدت مقطع فيديو لاثنين من الشباب في جدة، قبضا على شاب صغير في السن، يمتهن التسول باحترافية عالية، كان يتظاهر بالإعاقة. لا يستطيع الحركة أو الكلام بسهولة. منظره مثير للشفقة فعلا. مدة المقطع أربعة دقائق تقريبا. خلاصة المشهد عند الدقيقة الرابعة حينما فر الشاب راكضا على قدميه كأنه متسابق رياضي!

الذي يدفعني للحديث مجددا عن هذه الظاهرة السيئة رسالة عتب وصلت من الأخت "شهد العيسى" تقول فيها: "كنا نستعد لعمل تطوعي لتوزيع ملابس للعيد وبطاقات شحن على عمال مكة، لكننا ترددنا كثيرا بعد قرائتنا لمقالك "صورة مع عامل نظافة" الذي تنتقد خلاله توزيع مبالغ نقدية، وبطاقات مسبقة الدفع على العمال. صحيح أن العمل التطوعي ينقصه الكثير من التطوير والتنظيم، لكن الآن والحال كما هو عليه، هل نغض الطرف عن الفكرة؟

وللأخت شهد وللكثيرين الذين تفاعلوا مع المقال المشار إليه أقول، إنني لست ضد هذه الفعاليات والسلوكيات الإنسانية الجميلة، بل على العكس، ألمس فيها نوعا من أنواع التكافل الاجتماعي والمودة والرحمة، لكنني أخشى مع الوقت أننا نعيد دون عمد صناعة التسول بأسلوب مختلف، وطريقة نظامية!.

مرة أخرى، حافظوا على حقوق العامل المسكين، وثقوا أنه لن يكون في حاجة إلى برامجنا التطوعية، وسيعيش بكرامته، تماما كشقيقه العامل الموجود في شوارع الخليج!.