محمد سعد آل مداوي
قديمًا قيل: فلان أتعب من بعده، وهي تعد مدحًا وقد تكون في الوقت نفس قدحًا.
فإنه من ينجز أعمالاً يتميز بها عمن سبقوه من قرنائه، ويبهر بها من يرى نتاجه؛ فإنه يقال عنه: أتعب من بعده وهي تقال بمثابة المدح، وحينما يغادر هذا الرجل عمله لأي سبب من الأسباب تلاحظ بدء تدني العمل، وانخفاض إنتاجه، وضعف أعْوانه، ويتعذر الكل بأن فلانًا أتعب من بعده، وهي مدح في جهده ولكنها قدح في إدارته.
إن من صفات الإدارة المتميزة والقيادة الناجحة أن يكون المدير قدوة حسنة يتعلم الناس منه، ويدرب موظفيه ولا يهمل رأيهم، ويخول إليهم صلاحيات، ويحفز متميزهم، ويراجع مخطئهم، ويفسح لهم مجالا لإظهار إبداعاتهم، ويهيئهم للعمل في الأزمات، ويختبر أداءهم، ويدير العمل عن بعدٍ، ويتخذ معهم في بعض أحيانه موقف المتابع لمديرين في عملهم.
ثم إذا غادر هذا المدير عمله لأي سبب من الأسباب وجدت العمل قائمًا وكأنه لم يغبْ، ولربما قيل فيه: "أبدع من بعده"، وليس: "أتعب من بعده".
ما أحوج المؤسسات إلى الأخذ بهذه القاعدة، لا سيما المؤسسات الخيرية منها؛ لضمان استمرار العمل، وليصبح عمله "صدقة جاريةً" وتصبح إدارته "علما ينتفع به".
وقد قيل: علمني كيف أصطاد سمكة خير لي من أن تصطاد لي عشر سمكات"، فإن العاملين من حولك يستطيعون أن يحصلوا على مساعدة منك مرة أو مرتين ولكن لن يستمر وجودك معهم، ولكن حينما تعلمهم كيف يعملون في حال وجودك وفي عدمه فإنهم لن يحتاجوا مساعدة من أحد بعد ذلك.