على صعيد "منفصل" ـ عن كل ما هو حوله ـ تقرأ خبر النفي الساطع القاطع من مدير عام المياه بمنطقة عسير، حول أزمة المياه في مدينة خميس مشيط ـ كعادته كل صيف ـ وعلى صعيد "متصل" بمعاناتك الشخصية ومعاناة من هم حولك، تشاهد بكامل قواك البصرية "طوابير" العطشى و"قوافل" الظمآنين، وهي تتجاوز أسوار مراكز توزيع المياه المحلاة هناك. وعلى صعيد "مكتمل" لأصول الأزمة التي تعيشها تلك المدينة كل صيف، فإن الظروف السابقة تصبح البيئة المثلى لنمو سوق سوداء، تجعل قطرات المياه عصية على متوسطي الدخل.
تدلف إلى ذلك المكان وخطتك الاستراتيجية هي التحلي بأكبر قدر من الصبر؛ من أجل الحصول على صهريج ماء، تفعل ذلك لأنه الخيار الوحيد هناك، فمهما ارتفع معدل التشاؤم لديك، ومهما بلغت كمية الغضب التي يمكن أن تصبها على رأس الموظف الوحيد الذي يجلس أمامك، فلن يسقيك كل ذلك قطرة ماء واحدة!.
صحيح أنه لا شيء يبعث على التفاؤل في مثل ذلك المكان، وصحيح أنه في كل نصف ساعة تفرّج مشكلة أحد الجالسين هناك، وصحيح أن الشخص الذي يسبقك في الطابور يلتفت إلى الوراء بمعدل ثلاث مرات في الدقيقة الواحدة، ليلقي على مسامعك الكثير من الشتائم واللعنات على البيروقراطية والطبقية و"الديماغوجية" والسادية وتسميات أخرى لن تفقهها، إلا أنك لا بد أن تواصل بنفس الخطة الاستراتيجية التي انتهجتها حتى الحصول على أول قطرة ماء!.
يصيح الموظف الوحيد: رقم "193"
يجيبه أحد الحضور بعد أن استنفر جميع حباله الصوتية: حاااضر،
ثم بعد أن يتسلم ورقة الخلاص التي تخوله أخذ الصهريج، وتضمن له عتقا موقتا من هذا السجن، يعود لتوديع جميع الجالسين الذين تعرف عليهم حديثا هناك، بعد أن أمضى معهم وقتا كافيا لأن يصبحوا أصدقاء جدد "أصدقاء الصهاريج"!
يصيح الموظف من جديد: "194"
يجيبه أحد الحضور بصوت يكفي لأن يسمعه وكيل وزارة المياه بالرياض: حاااضر
ترمق ورقتك الصغيرة بخيبة أمل وقد كتب عليها "652" بينما تقفز لرأسك كل المعادلات الرياضية التي درستها، والتي لا تدل إحداها بأنك ستخرج من هناك قبل 3 أيام!، وهي الفترة الكافية لأن ينتقل أحدهم إلى رحمة الله عطشا!، تلملم نفسك وورقتك الصغيرة وخطتك الاستراتيجية، ثم تتجه إلى السوق السوداء خارج الأسوار لتحصل على صهريج بائس لا يصمد لمدة عشرة أيام بـ750 ريالا!.