ورش علمية وبحثية لا تهدأ، حالات متسارعة من العصف العقلي والذهني، نقاشات وتحضيرات مستمرة تنتظم الجامعات السعودية في عقدها منذ قرابة العام، أفرزت عن أكثر من (3000) بحث مقدم من طلاب وطالبات 40 جامعة وكلية حكومية وأهلية.

ورغم ذلك، لا أحد يملك توقعاً محدداً عن مخرجات المؤتمر العلمي الخامس لطلاب وطالبات التعليم العالي، والمتعلقة تحديداً بمجال البحث العلمي، غير أن نظرة سريعة على هذه الجهود، بالتواكب مع ماحققه المؤتمر العلمي في سنواته الماضية، كلها تجعل المتابع والمهتم يملك أسباباً وجيهة لكي يتوقع الكثير، والكثير جدا من هذا المؤتمر.

3 اتجاهات محورية تم تخصيصها لتكون بوصلة الإسهام العلمي في هذا المؤتمر، ونتحدث هنا عن العلوم الصحية، والعلوم الأساسية والهندسية، والعلوم الإنسانية، وقد اتفقت جميعا على مبدأ رئيس هو "تعزيز القيم البحثية للطلاب والطالبات" أما الميادين التي تقترن بعناوين كبيرة كتلك فهي تشمل كل شيء تقريباً بدءا من علوم الطب والجراحة والتمريض طب الأسنان والصيدلة، ومروراً بالعلوم البحتة والهندسة والحاسب الآلي والزراعة والكهرباء، وانتهاءً بعلوم الشريعة واللغات والثقافة الإسلامية والآداب والترجمة وعلم الاجتماع والإدارة والاقتصاد.

وبينما يضع المؤتمر كل هذه المجالات بين يدي الطلاب والطالبات ضمن مفهوم أساسي هو "لا شيء بمعزل عن البحث" فهو في الوقت ذاته ينمي ثقافة المبادرة لدى الجيل المتعلم الشاب بحيث لا يتوقف فقط عند الحدود النظرية لما يفكر فيه، بل أن يقتنع أن أسهل طريقة لرؤية المشاريع تتحول لإنجازات هي أن نبدأ في العمل عليها فوراً، وهي الثقافة التي اتضحت جلياً من خلال المنظومة الواسعة والمتزامنة من ورش العمل التي قامت بها الأقسام العلمية والتطبيقية في قرابة الثلاثين جامعة سعودية، حيث وجد الجميع فرصته الحقيقية ليس فقط ليعرض مشروعه البحثي بل وكذلك ليخوض فيه تنافسية محترفة تضعه على محك التجربة أمام أنظار الأكاديميين والمتخصصين من أهل الخبرة، وهو محك معياري بالغ الأهمية بالنسبة للطالب والطالبة، فالوصول إليه إنجاز، والبروز فيه لا يعني أننا خرجنا ببحث علمي قيم فحسب، بل أن الوطن بأكمله قد اكتسب مشروعاً جديداً بعقول وطنية أسهمت فعلياُ في دعم حراكه التنموي.

ويحسب لهذا المؤتمر على مدى سنواته الماضية، أن أخرج مفهوم الأبحاث العلمية من صورتها النمطية الجامدة كمتطلب أكاديمي مجرد، أو كمادة تنظيرية مكتظة بالمراجع، ليجعل منها منتجاً معرفياً يتمتع بالحيوية التطبيقية ويرتبط مباشرة بالسياق الراهن لاحتياجات الإنسان والمجتمع والحياة إجمالا، حتى باتت كل واحدة من الأفكار المطروحة فيه نواة لمشروعات مهمة يمكن العمل عليها وتطويرها بمزيد من التوسع.

وقد تم مراعاة التنوع في منطلقات ونوعية الأبحاث والأوراق العلمية التي يستقبلها المؤتمر، فهناك الأبحاث المستقلة، وهناك الدراسات المستخلصة من الرسائل العلمية لطلاب الدراسات العليا، وكذلك الأوراق المستخلصة من مشاريع التخرج والمشاريع الفصلية لطلاب البكالوريوس، كما تؤسس المعايير والضوابط التي وضعها المؤتمر لمفاهيم يتعلم منها الطالب أصول البحث العلمي المنهجي، وإعداد العروض التقديمية، والدراسات المتخصصة، كما يمثل المؤتمر دورة عملية مستمرة بالنسبة للباحثين من حيث تطوير أسلوبهم في تقديم الأفكار ومناقشتها، لاسيما في وجود نخبة من الأكاديميين وأساتذة الجامعات وأعضاء هيئات التدريس، وهي جميعها عوامل تسهم في تطوير الطالب علمياً وعملياً، ورفع مستوى أدائه على مختلف الأصعدة.

وبالنظر إلى فكرة المؤتمر في حد ذاتها، وأبرز المبادئ التي أكد عليها معالي وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري بشأن هذا المؤتمر، فإن الأهداف جميعها تتجه نحو الوصول بالمعرفة إلى الفائدة العملية، والصعود بالأفكار والأبحاث العلمية بحيث تصبح طاقات منتجة ومؤثرة، وذلك من خلال تحويل الأبحاث العلمية إلى"ساحة للتنافس الإبداعي" يقوم الطلاب أنفسهم بإثرائها بنتاجهم الفكري والابتكاري في ظل إشراف خبرات متخصصة تملك القدرة على دعم جهودهم وصقل مواهبهم، ومن خلفهم كفاءات تنظيمية وإدارية تكفل استغلال هذا الحدث وتوظيف مخرجاته بشكل تصاعدي يزداد نضجأ وفائدة مع كل دورة للمؤتمر.

ليس هناك أفكار غير قابلة للتحقيق، هذا ما يؤكده العلم وتبرهنه التجربة، كما لم يعد هناك مبرر لانتظار المعجزات من أجل نشر بحث علمي أو إقناع شخص ما بفكرة ما، فالواقع أصبح أكثر قدرة على الاستيعاب والحركة العلمية باتت أعلى قابلية للنمو برؤى العقول الناشئة الواعدة، وهذا ما يؤكده المؤتمر العلمي الخامس لطلاب وطالبات التعليم العالي، وسيكون الجميع على موعد منه على بعد أسابيع من الآن.