بعد تخرجي في الجامعة، قررت عدم العمل في وظيفة حكومية؛ ذلك أنني وخلال فترة التدريب الميداني تأكدت تماما أنني لا أصلح لمثل هذا العمل "الروتيني"، وأنني لن أستطيع تطوير نفسي والمكان الذي أعمل فيه بسهولة. لذا لم يكن أمامي سوى الالتحاق بالقطاع الخاص، رغم انخفاض الراتب مقارنة بالعمل الحكومي بنسبة كانت لا تقل عن 30% في مجال تخصصي الصحي، ولكنني كنت مقتنعا، وراضيا بخسارة جزء من الراتب مقابل أن أعمل في بيئة أستطيع النجاح فيها.

المثير في الأمر، أنني لم أكن السعودي الأول الذي يلتحق بتلك الشركة، ولكنني حتما كنت السعودي الوحيد الذي استمر فيها مدة تقارب الـ4 سنوات، فالكثيرون كانوا يتقدمون للعمل ويقبلون، ثم لا يكادون يكملون شهرا أو اثنين؛ إلا وخطاب استقالتهم يسبقهم!، وبعضهم بالطبع لا يؤمن بالاستقالة، فيذهب دون أن يعود!.

هذه الممارسات وغيرها جعلت غالبية منسوبي الشركة من غير السعوديين مقتنعين أن شبابنا لا يمكن أن يعمل في القطاع الخاص، نظرا لضغط العمل وتنافسية البيئة، التي تحتاج جلدا مستمرا، وثقة بالنفس لا تحيد، وهو الأمر الذي يفتقده كثير من شبابنا، ذلك لأن حياة الترف التي يعيشها الشباب، تجعلهم في نهاية الأمر غير قادرين على خوض غمار العمل في القطاع الخاص، فهو يعيش سنوات متواصلة تحت كنف والديه، بل إن البعض قد يعيش سنوات متتالية وهو عاطل عن العمل، ينتظر الوظيفة الحكومية السهلة، فقط لأن والده مستمر في تلبية احتياجاته ومتطلباته!.

اليوم وعندما أنظر إلى نخبة من الزملاء، ممن زهد في الوظيفة الحكومية، ونجح في مسيرته، وارتقى سلم الهرم الإداري، بل وتجاوز دخله الشهري ما يحصل عليه البعض في سنة كاملة؛ أزداد يقينا أن مطبخ تدريب وصقل الشاب يبدأ في القطاع الخاص، وحتما إن هذا المطبخ لن يستقبل أبدا من كانت حياته ترفا في ترف.