للإرهاب ألف وجه ووجه منذ بدء التكوين حتى اليوم، لم يكن الإرهاب سوى إشباع لغريزة القتل التي تغذيها الأفكار المتطرفة.

إلا أن الإشكال والخطر الفعلي، اللذين يهددان العالم اليوم، هي طريقة اللعب بالنار التي تمارسها أنظمة ودول وجماعات متعددة، ليستمر فعل "الإرهاب"، وهذا ما يحدث على أرض الواقع.

دولة الإسلام في العراق والشام المسماة اختصارا بـ"داعش" هي أحد التطورات للكائن الإرهابي "المسخ"، ولكن لا يمكن أن تتكون التنظيمات الإرهابية دون وجود أمرين مهمين: الأول هو وجود الفكر الديني الدموي الذي يغذي عقول أفرادها، والثاني هو التغاضي عن تكوّن هذه الجماعات المتطرفة وتسهيل مرورها واختراقاتها حتى أصبحت غير مكتفية بكونها جماعات، بل تريد أن تكون دولا!.

كان العالم يعتقد بانحسار هذه الجماعات بعد الضربات الأميركية ضدها وفي مقدمتها "طالبان"، غير أن الاجتياح الأميركي البريطاني للعراق قد أسهم في إسقاط نظام صدام حسين في العراق، لكن هذا الاجتياح في المقابل أسهم في نشر الفوضى في المنطقة، التي كانت "الآنسة رايس" تسميها الفوضى الخلاّقة، التي خلقت فعلا القتل والدمار والخراب.

وقد جاءت "داعش" اليوم كوريث غير شرعي للجماعات المتطرفة، وتحاط بهالة إعلامية كبيرة لنشر الرعب في المنطقة، ولم تتحرك هذه الجماعة سوى بدعم "لوجستي" وبشري وفكري، تلقته من ثقافة المجتمعات الإسلامية المتطرفة، ومن دول لها مخابرات قوية في العالم.

تعدّ "داعش" اليوم عروسا كثر خطّابها، الكل يريد أن يستعملها لصالحه، وهذا ما يجعل حكايات الجهاد التي تروج لها هذه الجماعة ليس سوى وسيلة لجذب المزيد من الشباب المتطرفين من بقاع العالم الإسلامي للالتحاق بها.

تدافع هذه الجماعة/ التنظيم عن الوجود العسكري للنظامين السوري والعراقي في سورية والعراق، وصرّحت قياداتها أخيرا بالقول: لم يأمرنا الله بقتال إسرائيل، بعد الهجوم الإسرائيلي على غزة، وكأن هذا التنظيم يلمّح أنه يتلقى وحيا خاصا يؤمر من خلاله بقتال طرف دون طرف آخر!.

في المقابل، يرتكز تنظيم "داعش" على قدرته في اختراع أشكال القتل من جهة، ومن جهة أخرى تخويف الرأي العام في الشرق الأوسط بامتلاكه أسلحة ومعدات وقدرته على "التوسع والبقاء"، من خلال نشر خرائط تجعل هذا التنظيم يحكم العالم!.

الغريب في الأمر، هو الصمت الدولي أمام فرضيات تنامي هذا التنظيم والتنظيمات المشابهة، كما أن صمت الولايات المتحدة ـ التي تعدّ نفسها راعية الديموقراطية ـ تحقق بعض الرؤى التي تقول إنها تتجه لسحب يدها من المنطقة وتسليمها لإيران، على أن إيران لم ولن تكون الملاك المفترى عليه، فهي سابقا شرطي الخليج، واليوم لها استراتيجيات قوية في المنطقة، ولهذا تريد امتلاك السلاح النووي.

لكن هل تضمن إيران أو الولايات المتحدة أو إسرائيل بألا ترتد إليها حربة "داعش"؟ إذا كانت هذه الضمانة موجودة، فالمعنى أن العلاقة المتينة موجودة بقدر الدعم المريب الذي تتلقاه هذه الجماعة.

أمر آخر مريب، وهو أن شبابنا هم أكثر الملتحقين بهذا التنظيم؛ مما يعني أن الفكر المغذي للتطرف يرقد هنا تحت صفيح ساخن، وأن هنالك محرضين وراعين له، والضحية هم شباب المسلمين الذين يذهبون إلى الموت بأرجلهم بدواعي الجهاد، غير أن المسألة هي إعادة إنتاج لما تم خلال الحرب السوفيتية ـ الأميركية في أفغانستان، وفي الأخير من يخسر هم نحن!.

اليوم، كي نواجه تنظيم "داعش" يجب أن نقرأ فكره جيدا، ونتتبع كل تكويناته وتحولاته، حتى الوصول إلى أعماقه، فالأعماق مهمة، وقد كشفت الأزمة وجود "الدواعش" بيننا، حتى وإن لم ينتموا تنظيما فإنهم متعاطفون ومؤيدون وربما داعمون، وهذا ليس سرا فقد كشفت وسائل الإعلام الاجتماعي من يدعمون هذا الفكر "لوجستيا"، إضافة إلى أننا عانينا سابقا ونعاني حاليا من سطوة التطرف الديني، الذي أعاق ومازال يعيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية في بلادنا.

هذا هو الذي أعدّه الخطر الحقيقي، بل هو أخطر من "داعش"؛ ليس لأن أحدهما ينهل من فكر الآخر، بل لأن الفكر الممول لـ"داعش" بين ظهرانينا، وهذا ما يثير قلق الغرب بطبيعة الحال، وينعكس هذا التصور على كل الطوائف السنيّة باعتبارها متطرّفة، وهذا ما يجعل وجوه الإرهاب كثيرة، وإن يظهر في الأفق أن آخرها "داعش".