بل هو احتساب ضد المحتسبين على ذات الوزارة. احتساب ضد تلك الفئام التي شلت أركان الوزارة لترتعد فرائصها قبل أن تتخذ أي قرار جريء ينقذ واقع تعليمنا المأساوي، احتساب ضد المحتسبين الذين أخذوا الوزارة بالصوت كلما همت هذه الوزارة بحذف سطر أو تعديل ورقة في مقرر دراسي، احتساب ضد المحتسبين الذين حبسوا مستقبل أجيال كاملة في بحور حبائلهم التخويفية ودهاليز حبالهم الصوتية. هؤلاء الذين يرسلون رسائلهم الإلكترونية احتساباً ضد المرأة إلى بوابة الوزارة هم أنفسهم الذين جمدوا واقعنا التعليمي لأربعة عقود. هم من جعل ابني الأصغر يدرس ذات مناهجي الدراسية التي كانت لي في ذات الفصل قبل أربعة عقود وهم من أجبر ابنتي الصغرى على تكرار ذات فصل أمها الدراسي قبل عقود ثلاثة، هم من يحتسب ضد كل تطوير أو تغيير وهم من يحتسب حتى لا يضع أولادنا خطوة على بوابة الغد، هؤلاء هم من يحتسبون ضد كل فكرة في مسار التعليم، وهؤلاء بالضبط هم من أوصلنا احتسابهم لأن نكون في مركز بعد المئة في الرياضيات وبعد التسعين في العلوم. هؤلاء هم من يحتسبون لكي يذهب أطفالنا للمدارس من جديد في تكرار اعتيادي للأعوام التي سبقت: قصص التاريخ في الرابعة الابتدائي تعاد بتوسع في المتوسط الأول وتتبع بالتفاصيل في الأول الثانوي. هؤلاء هم من يحتسب لكي يذهب أطفالنا إلى مدارسهم، وهم يحملون على ظهورهم حقائبهم وفيها كل ما لذ وطاب من الحشو والتكرار وفي فصولهم يتحولون إلى مجرد أجهزة تسجيل وتلقين وحفظ. يدرسون المواد النظرية في 80% من الوقت المدرسي بينما العالم من حولنا ينتج ويبتكر ويخترع. أطفال الهند يدرسون النانو والميكروتشبس والمسبار وعلى حسابهم الخاص وأبناؤنا هنا يدرسون قصائد جرير وأحكام الرق وخيرات العالم الإسلامي المنهوبة وحدود دوله المتعددة وتضاريسها وكأننا ما زلنا في عهد ـ الخراج ـ من بني أمية.