في الوقت الذي نقرأ فيه تعليقات على الأخبار الساخنة في صحف إلكترونية محلية وعربية، وحتى على بعض المواقع الإلكترونية للصحف الورقية، تثير النعرات الطائفية والقبلية وتملأ الأجواء بروائح العنصرية النتنة. نقرأ في تقرير بثته أمس وكالة الأنباء الفرنسية، عن حملة فرنسية لتصفية ومنع تعليقات القراء في مواقع التواصل الاجتماعي المتعلقة بالنزاع العربي الإسرائيلي، وخصوصا بعد العدوان الأخير على "غزة"، حيث يؤكد القائمون على ضبط ومراقبة تلك المواقع الفرنسية على أن حجب الآراء والتعليقات قد يصل إلى 95% في بعض الأحيان، بحجة أن الهجوم على إسرائيل في تلك المواقع تحول إلى "تعليقات حاقدة، تنشر الرسائل العنصرية والمعادية للسامية أو تتضمن تمييزا، ودعوات إلى العنف".

طبعا هذا لا يحدث في بلد "يصادر حريات الرأي ويكمم الأفواه"، كما تصفنا وتصف معظم الدول العربية والإسلامية، المنظمات الفرنسية والغربية بشكل عام التي تزعم أنها تدافع عن حقوق الإنسان وعن حرية التعبير، بل هو صادرـ وباعتراف رسمي ـ من قلب عاصمة النور والحرية.. باريس. وهذه المصادرة لم تأت لأن أحدهم، سواء كان غربيا متطرفا أو من جماعات التطرف التي ترفع شعارات إسلامية، كتب على أحد تلك المواقع، دعوة صريحة لقتل رجال أمن سعوديين أو عرب أو دعا صراحة إلى أعمال شغب وتخريب في بلد خليجي أو عربي أو إسلامي، فهذه الأمور جائزة في "شريعة" حرية الرأي الغربية، ولا بأس بها لديهم، بل تجد دعوة مثل هذه صدى كبيرا وتتناقلها وسائل إعلام مختلفة، لكي يعرف عنها من لم يسمع بها. لكن غير الجائز والممنوع "مهنيا" لدى القائمين على وسائل الإعلام الغربية والأميركية، ووسائل التواصل الاجتماعي، هو الاقتراب من كذبة معاداة السامية أو حتى الرد بـ"عنف" على الإسرائيليين وصهاينة العالم بجميع جنسياتهم وخلفياتهم الثقافية والاجتماعية، إلا أن يكون هذا الرد مؤيدا وناصرا لهم أو على الأقل "مؤدبا جدا معهم" لأنهم "ملاك الأرض" في نظر الإعلام الغربي بعمومه والتابع للصهاينة بشكل خاص.لا شك أن مجرد التلميح بـ"حز الرقاب" والقتل للأبرياء في أي مكان في العالم، سواء بالسكين أو القنبلة أو السلاح الناري أو الطائرة، جرم شرعي وإنساني، لا يجوز التغاضي عنه ويجب محاكمة كل من يدعو له، في أي وسيلة إعلام أو تواصل اجتماعي، ولهذا يجب أن يكون هناك قانون دولي توقع عليه جميع الدول المنضوية تحت منظمة الأمم المتحدة، يجرم هذا الفعل ويحاسب ناشره. وأن لا يبقى الأمر ـ كما هو واضح حاليا ـ مجرد معايير مزدوجة، تكون خلالها دعوات القتل والتدمير أمرا حلالا و"حرية تعبير" إذا كانت موجهة لطرف غير مرضي عنه، وتتحول إلى جرم كبير إذا مست البنت المدللة.. "إسرائيل". فهذه الازدواجية هي الباب الحقيقي الذي تنفذ منه عصابات الإجرام والإرهاب في كل دول العالم لتدمير الإنسانية، وقتل الحضارات.

[email protected]