من المميزات المتوافرة في أكثر المجتمعات العربية (صعوبات التعلم الإجباري)، في جميع المجالات، فلا يختفي مجال إلا ويحل آخر.. من هذه الصعوبات (انعدام الدافع والرغبة
وعدم الثقة بالنفس)، وفقد التشويق الذي يعزز الرغبة ويصون الفكر ويولد الإبداع.
صعوبات التعلم كالشعب المرجانية لا تعد ولا تحصى، منها (التقاط المعلومة بالنقل) والاعتماد كليا عليها، طبعاً.. هذه أبسطها، أما أشدها ضراوة فهو إقفال الطريق بوجه كل عبقري ومبدع! مع أن الحلول ممكنة وميسرة، وما أجمل الأوراق الملونة، ولكن روعتها أنها لم تخرج من حيز الكلمات المنقوشة التي قبرت في موضعها ثم حنطت للزينة.
أما التنفيذ والحل.. طن خيبات في بيئتنا العربية، إما أن نحب أو نكره، ويا حظ من أحببناه!! نسبغ عليه ألقاباً لا حصر لها، ونلبسه لباس التقديس الملائكي!
ويا تعس من كرهناه، نلصق عيوب الدنيا به، وما العجب في ذلك؟! فالمجتمع العربي إناء ينضح بما فيه وعليه لا يوجد حل وسط بين الحب والكره، والمشكلة أن أكثر من ينادي بالوسطية هم أكثر المتشددين، ولذلك الغرب عرف نقطة ضعفنا وفحص قدراتنا وتركيبتنا الداخلية، فوجدنا أكثر الشعوب عاطفة - أي تغلب علينا العاطفة - وبدأ يهندس ويخطط ونحن ما زلنا نجعجع، ولذلك لا يأخذ علينا لأن كل شيء عندنا بالبركة، ومن كثرة إقامة البركة وعلى باب الله فهي بيننا مناصفة في جميع أمورنا، لا نتعجب إذا استبدلنا لقبا عربيا بالبركة، ولأن هذه البركة مقيمة فينا أصبحنا نعتمد عليها وأضحت عادة مستأنسة، وإذا اكتشف بعض الأفراد أن هذه البركة كلها عيوب، ويجب تغييرها يثور من يريدها على علاتها ويزبد ويرعد ضد أي تيار ملطف لإصلاح ما أفسدته البركة أعواماً مديدة، فمثلاً من أبواب البركة نفتح أول باب التعليم الذي يعتمد ويركز على جانب واحد هو النظري والترددي، الصدى، الذي يفتقد توظيف المهارات، فيصبح المتلقي كالأبكم والأصم والأعمى مع الاعتذار لباقي الحواس، المطلوب الحفظ الببغاوي وحشو معلومات إنشائية، والصمت المطبق الأشد ضراوة.. (اسكت لا تقاطع من هم أكبر منك سناً، لا تتعدَ حدودك.. تأدب أمام الكبار)، وليس كل انضباط هدوء، بحيث لو رميت الإبرة تسمع رنينها، وهل سماع الإبرة ولجم الأصوات يولدان الدافع والرغبة والتفكير النبوغي؟
وعلى النقيض ليس كل نشاط وجلبة وبلبلة وفوضى يخلق النمو المعرفي والذكاء..!!!
وإذا سألت ماذا جنى الطالب من هذه الطريقة، فالجواب لا شيء بل زادته جموداً وخمولاً وكسلا، والمعلومات الآلية لم تعد صالحة لكل زمان ومكان لأنها خالية من أطر التفكير والإبداع! والصعوبة التي أعنيها ليست خللاً جينياً في المتعلم، بل المنهج المتجمد الذي تمخض عنه تخريج دفعات بنفس المستوى!
والمادة المسكوبة في القالب لا تناسب جميع العقول، ولم نرع جوهرها (أصغر، أكبر، غبي.. ذكي، عبقري)، فأصبحت جميعها قوالب مشوهة، وماذا حصل بعد ذلك؟ وجبة بغيضة نقدمها لجائع المعرفة تفتقد النكهة الفكرية، لا لون ولا طعم ولا رائحة، يقبل عليها المتعلم المسكين مكرها، مجبرا أخاك لا بطل، وهل ستشجع الطالب على الاستمرار وتنمي قدرته الإبداعية؟ وليس شرطاً أن يكون المبدع خارق الذكاء، بل قد يبدع في المجال الذي وهبه الله إياه، إلا أن مناهجنا لم ترع إلا ملكة واحدة وأهملت باقي الملكات، وأفسحت المجال للتلقين.