مهما بلغت من مرتبة ومكانة وعلم، فلن تكون شيئاً بلا أخلاق، ولن تكون ذا قيمة عند الله وعند خلقه بلا أخلاق.
ذكر صاحب العقد الفريد أن الخليفة علي بن أبي طالب قال: يا سبحان الله.. ما أزهد كثير من الناس في الخير!
وقال: عجبت لرجلٍ يجيئه أخوه في حاجة فلا يرى نفسه للخير أهلاً، فلو كنا لا نرجو جنةً، ولا نخاف ناراً، ولا ننتظر ثواباً، ولا نخشى عقابا؛ لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق، فإنها تدل على سبيل النجاة والنجاح.
فقام رجل فقال: فداك أبي وأمي يا أمير المؤمنين، أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: "نعم، وما هو خيرٌ منه، لما أتينا بسبايا، كانت في النساء جارية"، وقال فيها من أوصاف الجمال الكثير، منها أنها "حماء، حوراء العينين، لسعاء لمياء، عيطاء، شماء الأنف، معتدلة القامة، درماء الكعبين، خدلجة الساقين، لفاء الفخذين، ضامرة الخصر، مصقولة المتنين"، وقال علي: لما رأيتها أعجبت بها، وقلت لأطلبن الرسول ليجعلها في فيئي، فلما تكلمت أنسيت جمالها لما سمعت من فصاحتها.
فقالت الجارية: يا محمد، هلك الوالد، وغاب الوافد، فإن رأيت أن تخلي عني ولا تشمت بي أحياء العرب، فإني بنت سيد قومي، وكان أبي يحمي الذمار، ويفك العاني، ويقري الضيف، ويشبع الجائع، ويفرج عن المكروب، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يرد حاجة طالب قط، أنا بنت "حاتم طيئ".
فقال لها الرسول: يا جارية، هذه صفة المؤمن، ولو كان أبوك إسلامياً لترحمنا عليه. وقال: خلوا عنها؛ فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، والله يحب مكارم الأخلاق.
فقام أبو بردة بن نيار، فقال يا رسول الله: والله يحب مكارم الأخلاق؟
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة أحد إلا بحسن الخلق"، وبغض النظر عن صحة قول الرسول وبعض تفاصيل القصة، إلا أنه يسنده قول المصطفى "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
(بين قوسين)
بعض الناس ممن يحسبون على "النخب" يخوض في وحل القذارة بحجة أنه يرد على قذارة آخر.