بعيداً عن الخبر الذي بثته وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة، عن إعلان وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري، محمد عيسى، بأن الجزائر مستعدة لإعادة فتح المعابد اليهودية، التي أغلقت في تسعينيات القرن الماضي لدواع أمنية، حيث أشار الوزير إلى إن وزارته "مسؤولة عن كل الديانات وليس الإسلام فقط"، مؤكداً أن ذلك يجعلها مسؤولة عن المسلمين وكذلك الأقليات الأخرى، "ولو أننا لا نملك إحصائيات دقيقة عن عدد المعتنقين لكل ديانة". وأضاف عيسى "أن الوزارة تستقبل معتنقي الديانة اليهودية في الجزائر وهم وطنيون ويحبون الجزائر"، موضحاً أنه سيتم فتح جميع أماكن العبادة لمعتنقي الديانة اليهودية والمسيحية التي تم إغلاقها.
أنا هنا لا أحقق في مدى شروع ما قام به الوزير، ولكني أعترف بأن الخبر أثارني جداً في هذا الصباح الرمضاني، كما عليّ أن أعترف بأمرٍ آخر بأنه بعد ما حققه المنتخب الجزائري من تمثيل مشرّف للكرة العربية في مونديال البرازيل 2014، وجدت أن كل ما يحدث حولي يحرضني تماماً على أن أكتب عن الجزائر بلد المليون شهيد، بالتأكيد تأتي كتب مستغانمي كبلورة سحرية، تأخذني من يدي إلى حافة الذاكرة، تخرجني من محنة الأرق إلى فضاءات الرواح الواسعة، ورغم كل المشاعر التي تستنزفها أحلام في مؤلفاتها، إلا أنها لا تخرج من تلك العباءة التي يتدثر بها معظم مثقفي الجزائر، إن الكتابة بالنسبة لهم قضية نضالية أكثر من أن تكون قضية ثقافية، وهذا ما يجعلني أتذكر جيداً ما قالته لي يوماً الآنسة الأنيقة "ليال"، التي كانت لا تنضب في الحديث عن مدى ارتباكات الرجل الجزائري، ومدى خشونته العاطفية مع المرأة، وتقديره المنخفض لها، رغم إيمانه العميق من الداخل بأنها كائن يستحق أن يوضع فوق الرأس لا أن ينحصر دورها في تدليك قدميه. قالت لي ليال مرة "ثمة ظلم كبير يقع على المرأة الجزائرية، فالرجل في وطني لديه استعداد يبدو فطرياً لظلمها، فالمرأة الجزائرية لم تحصل على حريتها كاملة حتى الآن، وربما يعود هذا بسبب ثورة التحرير والحرب الجزائرية الحاضرة في ذاكرة وأيام كل جزائري".
حدثتني "ليال" طويلاً عن الجزائر، وعن قسوة الطبيعة والعائلة، وعن عدم إنصاف المرأة أمام نظيرها الرجل في سوق العمل، كما ألقت الضوء في حديثها عن الهزائم التي تتلقاها المرأة بشكل مستمر، حيث تعاني من الاضطهاد، والتمييز الجنسي. ثمة تراكمات تنهك مشاعر "ليال"، التي تجد أن الرجل الجزائري يحتاج إلى إعادة تأهيل كاملة في نظرته إلى نصفه الآخر، فالمجتمع الجزائري يعترف بإنسانية المرأة، لكنه في الوقت ذاته يبقي على تبعيتها للرجل، لذلك ارتكبت ضد النساء أعمال مشينة، وعادات مهينة، ورغم ذلك فالمرأة الجزائرية لم تقف مكتوفة الأيدي بل دافعت عن نفسها، ودافع عنها بعض أنصارها، لكن المجتمع الجزائري لا يزال يعد المرأة مخلوقاً قاصراً رغم الثقافة، والتعليم والمسؤولية، لا لشيء إلا لكونها امرأة، فصفة الأنوثة كما تقول "ليال" تشكل قيداً في بلد مثل الجزائر.
وقبل أيام كنت أتصفح أخبار العالم العربي، فلفتني خبر احتل جزءاً كبيراً من يومي كله، ولم يكن الخبر يتعلق بالاستقبال الحافل لـ"محاربي الصحراء" في مطار العاصمة "هواري بومدين"، حيث حظي اللاعبون وأعضاء الجهاز الفني والإداري باستقبال شعبي ورسمي حافل، ولا بالكارثة المونديالية التي تسببت في سقوط البرازيل بسبعة أهداف أمام المنتخب الألماني مساء الثلاثاء ما قبل الماضي، وإنما كان الخبر يتعلق باحتلال الجزائر المرتبة الأولى عربياً في إدماج النساء بمؤسسات الدولة ومناصب المسؤولية، حيث تمت ترقية ثلاث نساء إلى رتبة لواء، وبذلك يرتفع عددهن إلى أربع، وقيل بأن قرار الترقية في حد ذاته يعد مؤشرا على حجم الانفتاح في مؤسسة مغلقة كالجيش الجزائري، وربما الخشونة النفسية والطقسية التي يعيشها بلد كالجزائر، دفعته سياسياً لأن يحوز على "أيقونات" نسوية كثيرة، منها لويزة حنون زعيمة حزب العمال، والمرشحة الأشهر لانتخابات الرئاسة في البلدان العربية، كما تدعمت حكومة عبدالمالك سلال الأخيرة بسبع وزيرات في التربية الوطنية، وتهيئة الإقليم والبيئة، والثقافة، والتضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، والبريد وتكنولوجيا الإعلام والاتصال، والسياحة والصناعة التقليدية، وأخيراً وزيرة منتدبة لدى وزيرة السياحة والصناعة التقليدية مكلفة بالصناعة التقليدية.
أطلع "ليال" على الخبر الذي قرأته عن وطنها الجزائر، لكنها لا تنفعل ولا تبدي أي حماسة تذكر، ويبقى حضور الروائية "أحلام مستغانمي" واضحاً أمامي، وتساؤل ملح كيف لم تأت يوماً في الحديث عن ما تعانيه المرأة في وطنها، حيث أظهر تقرير عالمي بأن الجزائر تأتي في المرتبة 131 من حيث توفير فرص العمل للنساء والمرتبة 103 فيما يتعلق بالإمكانات التي توفرها الحكومة في مجال الدراسة وتربية البنات، والمرتبة 108 فيما يتعلق بالخدمات الصحية، والمرتبة 57 فيما يخص مشاركة المرأة الجزائرية في الحياة السياسية للبلاد. وأفادت الدراسة نفسها أن وضع النساء في الجزائر يبعث على القلق، حيث إنه يتدهور عاماً تلو العام، حتى وصل في عام 2011 إلى المرتبة 117 وهو ليس بعيداً عن المراتب التي تحتلها دول فقيرة، مثل مالي وبنين وإثيوبيا، ولكن أين "أحلام مستغانمي" من هذا كله؟ وهي تصر على أن تستعرض لنا في رواياتها الجميلة تاريخ الجزائر النضالي يرافقه الحب برايات الفرح والسعادات الكبرى!