منذ عقود بعيدة، يوم كنت طفلا، وقبل أن تُخلق الفضائيات ووسائل الترفيه الأخرى التي لا يعرف غيرها جيلُ اليوم، كانت وسائل ترفيهنا في رمضان ألعاباً بسيطة مثل المراجيح المصنعة محليا، ولعبة العسس لمن لا يملك القروش، وكان أكثرها تعقيدا الدائرة الخشبية التي لا يتجاوز قطرها خمسة أمتار وتصنع بكاملها من الأخشاب المحلية. وكنا وقتها نشعر بالسعادة ونفرح برمضان ونحن صغار، وربما لأجلها. وكانت ألعاب العنف تنحصر في المطارحة، وألعاب مثل المدوان وهو قمع معدني مدبب له طريقة في اللعب، ويُستخدم أحيانا في ضرب يد الخاسر في اللعبة.
واليوم تعدّدت وسائل الترفيه وتنوعت، وأصبحت أكثر تعقيدا. فتعرض الطفل لكل ما تقدمه القنوات الفضائية التي تعرض كل شيء تقريبا. واقتنى ألعابا وأفلام فيديو، كثير منها يتضمن العنف بشكل مريع.
ابن السابعة اليوم يعرف عن أنواع الأسلحة أكثر من أي راشد من جيلي، ويعرف كيف تعمل، وقوة فتكها، بل وقد يجيد استخدامها لو أتيح له، لمَ لا؟ وهو يتدرب عليها في كل يوم ساعات طويلة، وهي تحاكي بدورها الأسلحة الحقيقية بدرجة تقربها كثيرا منها. وأكثر من ذلك ما يسمى الواقع الوهمي. وفيه ما يتيح للطفل التواجد كعنصر داخل اللعبة والإحساس فيزيائيا بكل ما يجري عن طريق الملابس المزودة بحساسات وأجهزة للضغط في المكان المناسب لمجريات اللعبة.
وبهذه البرامج سيأتي اليوم الذي لن يكون الطفل فيه بحاجة إلى الأقران للعب، فبوسعه تكوين شلة كاملة من الأصدقاء يشكل أجسامهم ومظهرهم وأصواتهم بما يريح أحاسيسه. ويمكنه أن يعلمهم السلوكيات التي ترضيه، فيحادثهم ويلعب معهم، ويعيش هو في وهم، ويتوحد. هذا ما يقوله علماء النفس والاجتماع.
ويزعم البعض أنّ للعنف الذي نشاهده في كل ركن من أركان محلات الألعاب آثاراً سلبية على نفسية الطفل. فهل لهذه الألعاب أثر حقيقي على سلوك الطفل وفي تشكيل الشخصية؟ للإجابة نستعرض بعض الدراسات التي اهتمت بهذا الجانب من الألعاب، وننقل بعضاً من آراء ونصائح المختصين وعلماء النفس.
ففي دراسة لكلية الطب بجامعة إنديانا بالولايات المتحدة الأمريكية وجد الباحثون في الصور المقطعية لأدمغة مراهقين بعد أن شاركوا في ألعاب فيديو عنيفة إشارات لنشاط عاطفي متزايد، يصاحبه ويتزامن معه فتور في الجانب الآخر من الدماغ، وهو الجانب المسؤول عن ضبط السلوك.
في هذه الدراسة تم توزيع نوعين من ألعاب الأطفال على المشاركين من المراهقين بطريقة عشوائية. الأولى لعبة عنوانها "الحاجة للسرعة"، سباق يتطلب التفاعل السريع مع اللعبة، ولا يتضمن أيا من أنواع العنف؛ والثانية "وسام الشرف" وكلها عنف وقتل يمارسه الطفل من خلال الشاشة وفأرة الكمبيوتر.
وعلى أفلام الفيديو العنيفة صوّر البروفيسور جون ميوراي من جامعة كانساس دماغ العينات من الأطفال بعد مشاهدة 30 دقيقة، مقطعا للملاكمة من فيلم "رامبو"، وخلص إلى نتائج مشابهة للدراسة الأولى.
قد لا يعني هذا أن طفلك سيخرج إلى الشارع ويفتح النار على المارة أو في المدرسة يغتال الأطفال والمدرسين، كالحوادث التي نسمع عنها في الغرب. لكنه يبقى احتمالا قائما، ولو عن بعد!
يقول مدير مركز الأبوة الصالحة، ومنسق الدراسة، لاري لي: "لدينا ما يكفي من المعلومات التي تشير بوضوح إلى أن هناك مشكلة في ألعاب العنف مع الأطفال". ويشير الدكتور فيل، المعروف ببرنامجه التلفزيوني إلى الجانب الأخلاقي: "إذا أطلقت النار على أحد فلن تُعاقب ولن تذهب إلى السجن، بل تجمع مزيدا من النقاط" ويقول: "لا يعني ذلك أن ابنك سيخرج لقتل الناس ولكن هذه الألعاب تنمي الروح العدائية فيه، وقد تظهر في واحد من أشكال العنف في سلوكه ولو في الحديث".
وهناك الرأي الآخر الذي عادة ما تتبناه وتموّل أبحاثه الشركات المنتجة لألعاب الفيديو. فهذا دوق لوينشتاين، مدير مؤسسة البرمجة الترفيهية، يقول: "لدينا مركز لأبحاث العنف في المؤسسة ودائما ما نرجع إليه، وإنه لدينا من البيانات ما ينفي مزاعم الآخرين، ويجيب على كل تساؤلاتهم"، ويضيف: "لدينا دراسات تشير إلى إيجابيات العنف على ألعاب الفيديو، منها تحسين زمن الاستجابة لدى الطفل، وتطوير مهارات اتخاذ القرار."
وفيما عرفنا التباين في المواقف من نوع الأثر، لا أحد يعرف الأثر على المدمنين منهم على هذه الألعاب، والذين يجلسون خلف الشاشة لساعات طويلة، فالدراسات المذكورة اقتصرت على تعريض الطفل للعبة على 30 دقيقة. كما أنه من غير المعروف آثارها على المدى البعيد، فهذه الألعاب حديثة بما لا يكفي للحكم عليها أو يمكٌن من دراسة أثرها على المدى البعيد.
لهذا -وكمجتمع متمدن- بدأ المهتمون في الغرب على المستوى الرسمي ومن مؤسسات المجتمع المدني في تناول الأمر بجدية وموّلوا لذلك الأبحاث والدراسات. وإلى أن يعرفوا الإجابة، صنفوا الألعاب وأفلام الفيديو الخاصة بالأطفال، ووضعوا ضوابط لكل فئة عمرية. وأعدوا إرشادات للآباء لمراقبة أطفالهم وعند اختيار الألعاب. وكان للإعلام بوسائله المختلفة دور في نقل الرسالة.
وفي مدارس أبنائنا لا توجد برامج تحذرهم من ألعاب العنف، وتعرفهم بآثارها على سلوكهم. وإعلامنا مقصر في نقل الرسالة وتحذير الآباء والأمهات مما تنطوي عليه هذه الألعاب من مخاطر. ولم أجد عندنا إرشادات مطبوعة ومتاحة تساعد الطفل ووالديه في اختيار الألعاب. فهل نحن بحاجة؟