في رمضان الجاري، يحتفل الإعلام العربي بتفوق "الفضائحيات" العربية، التي قارب عددها 752 قناة فضائية، على أعداد الجامعات العربية التي لا تزيد عن 510 جامعات. لذا نجحت هذه "الفضائحيات" خلال الشهر الفضيل في الاستحواذ على نسبة 51% من مجموع ساعات البث الإعلامي لنقل مسلسلات الفن الهابط ونشر برامج الحوار الزائف. هذا في الوقت الذي حققت فيه الساعات الإخبارية واللقاءات العاصفة 26% من ساعات البث للمساهمة الفعالة في تأجيج الصراعات وترويج صور الخوارج الملثمين وأشرطة تسجيل أصوات المضللين والمارقين، بينما حازت القنوات الرياضية على نسبة 13% بسبب كأس العالم الكروي، وحلت القنوات الدينية في المرتبة الأخيرة بنسبة 10%.

الصورة القاتمة لإعلامنا العربي المرير، الذي طالما سعت "فضائحياتنا" لترويجها، أصبحت اليوم حقيقةً ملموسةً لدى شعوب العالم أجمع، لأن إعلامنا فقد الصلة بالموضوعية الأدبية والمواضيع العلمية واستبدلها بالتقليد الأعمى والمحاورات الشاذة والمسلسلات الهابطة.

في مثل هذا الوقت من كل عام تعلن المنظمات الدولية نتائج إحصائياتها ومراتب الدول على مؤشراتها، لتتسابق دول العالم في نشر إنجازاتها على فضائياتها وتفتخر بإحرازها أفضل المراتب بين أقرانها. ولإقناع العالم بأنها الدولة الحضارية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط، وتمهيداً لعدوانها السافر على قطاع غزة، حجزت دويلة إسرائيل في الشهر الجاري كافة ساعات البث على فضائياتها لتعلن أنها تصدرت دول العالم بعدد البحوث العلمية المنشورة، التي فاقت 12 بحثاً لكل عشرة آلاف نسمة من السكان، بينما جاءت أميركا في المرتبة الثانية بعدد 10 أبحاث، ثم بريطانيا بنسبة 9 أبحاث. وسارعت الفضائيات الإسرائيلية إلى تلميع صورة دويلتها العدوانية أمام دول العالم وكيفية تفوقها وصعودها لهذه المراكز المتقدمة. فخلال العقد الماضي عكفت مراكز الأبحاث الإسرائيلية على توطيد علاقاتها مع المراكز العالمية المتقدمة، فاندمجت معها لتشجيع علمائها وحثهم على المشاركة في البرامج الدولية، فأصبح لديها اليوم 21 شراكة بحثية عالمية، تتعاون من خلالها في كافة المجالات، وتحصد نتائج أبحاثها وتجاربها العلمية لدفع وتيرة الابتكار والإبداع لديها. كما تفاخرت إسرائيل على فضائياتها بأن سبب تفوقها جاء نتيجة إنفاقها على البحث العلمي كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، وعدد علمائها وخبرائها، بالإضافة لعدد أجهزة الكومبيوتر وبراءات الاختراعات المسجلة سنوياً لكل ألف من عدد سكانها.

في المقابل تجاهلت "الفضائحيات" العربية التقرير السنوي لمنظمة العمل العربية الصادر بعنوان "البحث العلمي بين العرب وإسرائيل وهجرة الكفاءات العربية"، الذي كشف حقائق الفجوة العلمية والتقنية بين العرب وإسرائيل. أوضح هذا التقرير أن نصيب المواطن العربي من الإنفاق على التعليم لا يتجاوز 340 دولاراً سنوياً، بينما يصل في إسرائيل إلى 2500 دولار، وأشار التقرير إلى أن الدول المجاورة لإسرائيل هي من أكثر الدول العربية تراجعاً في مؤشرات التنمية البشرية التي تحدد مستويات الدخل والتعليم والصحة. ففي الوقت الذي تأتي إسرائيل في المركز 23 في مؤشر التنمية على مستوى العالم، تحتل مصر المرتبة 199، وسورية المرتبة 111 والأردن المرتبة 92 ولبنان المرتبة 82. وفي حين يوجد في إسرائيل 217 جهاز كمبيوتر لكل ألف شخص، لا يوجد في مصر سوى 9 أجهزة فقط، وفي الأردن 52 جهازاً، وفي لبنان 39 جهازاً. وأكد التقرير أن أسباب تراجع العالم العربي في العلوم والتقنية جاء نتيجة انخفاض عدد العلماء والباحثين إلى 136 باحثا لكل مليون مواطن، بينما ترتفع هذه النسبة في إسرائيل إلى 1395 باحثا. وهذا أدى إلى انخفاض عدد براءات الاختراع العربية المسجلة في أميركا إلى 370 براءة فقط، بينما ارتفع هذا العدد في إسرائيل إلى 20 ضعفا ليصل إلى 7652 براءة اختراع.

جميع دول العالم تفتخر اليوم بإنجازاتها من خلال فضائياتها، أو تسعى لقلب الحق باطلاً والباطل حقاً بواسطة برامجها وحواراتها ومسلسلاتها، مما حقق لها الأولوية المطلقة في الإقناع بأهدافها والتعاطف مع خططها وتوجهاتها. أما الإعلام العربي، الذي أخفق في توجيه دفة العولمة الفضائية لصالحه، تراجع في مواجهة تحدياتها المزمنة وتغلبت عليه تياراتها العشوائية، لتفقد "فضائحياتنا" مصداقيتها وإمكانياتها أمام شعوب العالم أجمع.

وقد يجهل المواطن العربي أن علماءنا العرب كانوا أول من اكتشف المعنى اللغوي لكلمة "ساتل" قبل 1000 عام، دلالةً منهم على تتبع الأجسام الفضائية للأجرام السماوية، وتفسيراً لدورانها في فلك بعضها البعض، فاعتبروا أن القمر ساتل للأرض، والأرض ساتل للشمس. إلا أن كلمة "ساتل" العربية اندثرت في القرن الماضي من قاموس الضاد ودخلت القاموس الإنجليزي لتتحول إلى كلمة "ساتلايت" إشارة للقمر الصناعي أو "الساتل" الفضائي الذي يدور في فلك الأرض.

وبينما استفادت شعوب العالم من الأقمار الصناعية وحققت أهدافها من خلال التقاط وبث الإشارات بسرعة تفوق 300 ألف كيلومتر في الثانية لعولمة خدمات الإعلام والاتصالات والمراقبة والأرصاد والملاحة والاستكشاف والتجسس، أخفق العالم العربي كعادته في تحقيق الحد الأدنى من أهداف هذه الأقمار التي كان سباقاً في تسميتها.

تردي مستوى "الفضائحيات" العربية في شهر رمضان المبارك، وكل شهر من أشهر السنة، منح فضائيات العالم الفرص الثمينة لاستهداف منطقتنا، وبث برامجها الأجنبية باللغة العربية عبر القنوات الفضائية المجانية. في العام الجاري ارتفع عدد هذه الفضائيات إلى 7694 محطة إعلامية، منها 716 قناة مجانية موجهة فقط لعالمنا العربي، فمتى نقتنع بتردي مستوى "فضائحياتنا" العربية؟