في الوقت الذي أعلنت فيه شرطة محافظة العلا بالمدينة المنورة أنها اكتفت بالتعهد الخطي على عابث شوه آثار مدائن صالح بالكتابة عليها بطلاء الرش "البخاخ"، طالب عدد من المهتمين بالآثار في منطقة المدينة المنورة بضرورة سن نظام صارم يحمي الآثار ويعاقب المتجاوزين عليها، نظرا لما تشكله من ثروات تاريخية وسياحية، مبدين استغرابهم من التساهل مع المخالفين الذي يعبثون بتاريخ يستحق العناية.
أحلام زائفة
طالت تعديات الباحثين عن الثراء عددا من محطات سكة الحديد بين المدينة وتبوك وسط مطالبات بالتدخل العاجل لمنع التعدي على أشهر المعالم الأثرية التي تشتهر بها المنطقة، كمحطات القطار والمساجد والقلاع والسدود الأثرية والحصون المنتشرة في المدينة، والتي فقدت كثيرا من معالمها على أيدي راغبي الثراء السريع في ظل غياب الجهات المعنية بالآثار.
وقال الباحث بدراسات المدينة عدنان بن عيسى العمري، يرتكب بحق المواقع الأثرية بالمدينة المنورة عدد من الجرائم، إذ يلجأ البعض لتشويه المواقع التاريخية بالحفر والكتابة عليها، وتدمير الآثار بحثاً عن الكنوز المزعومة والأحلام الواهمة، ولعل منطقة المدينة المنورة الغنية بما تحمل من تراث الحضارات الإنسانية من أكثر المناطق التي تعرضت للعبث والطمس والتخريب.
غياب الوعي
وأضاف العمري "إن غياب الوعي بأهمية المواقع الأثرية عند البعض أدى إلى تعرض عدد منها لأعمال التخريب والتشويه ممن لا يدركون أهميتها التاريخية والحضارية والاقتصادية ودورها في إثراء ثقافتنا، إضافة إلى ما تمثله هذه الآثار من عمق تاريخي لحضارات ورثت لنا عددا من العلوم والفنون التي تعد امتداداً لما وصلنا إليه من رقي وتقدم ثقافي وحضاري في عصرنا الحالي"، مؤكدا أن التعدي على الآثار تعدٍّ على ثروات حكومية، وأموال وموروثات شعبية، خصوصاً أن الجهات الحكومية تعمل جاهدة لحفظ هذا التراث وتنقيته.
أيادي العبث
وقال العمري إن من أهم المعالم الأثرية بالمدينة المنورة محطات سكة الحديد والتي تمتد حتى الحدود الشمالية للمملكة، وعدد من القلاع القديمة والحصون التاريخية بالإضافة للرسوم والنقوش التي توضح بجلاء حضارات الأقوام التي عاشت في هـذه المنطقة، كما اشتهرت محافظـة خيبر بعدد من السدود الأثرية والحصون التي يزيد عمرها على 1000 عام، وشوهتها أيادي العابثين الذين يحلمون بالثراء السريع، مطالباً بنظام يقنن عقوبات للمتعدين على الآثار كما هو الحال في نظام المرور ومكافحة المخدرات.
أساطير الوهم
وعد الباحث بتاريخ المدينة الدكتور تنيضب الفايدي، أن منطقة المدينة المنورة من مناطق المملكة التي تتعرض إلى كثير من هذا النوع من العبث، وقال "للوطن": هناك حكايات وأساطير تداولها الشباب بمجالسهم عن كنوز تحت هذه الآثار ويستدلون عليها بدلائل كالخرائط القديمة والحكايات الشعبية وبعض الرسومات مما يجعلهم يخرجون لهذه المواقع ويدمرونها بالحفر بحثاً عن الكنوز.
ولفت الفايدي أن بعض الشباب يقوم بتشويه المواقع بالكتابات والحفر وخلافه دون وعي منهم بخطورة ما يقومون به، فالمدينة تحوي مواقع كثيرة ومتعددة ذات تاريخ عريق وكثير منها تعرض للتخريب والتدمير.
وأضاف الفايدي "إن العلماء المسلمين أجمعوا عبر القرون على ضرورة الحفاظ على الآثار، ومن الضروري إبراز أعمال التخريب والتشويه التي تتم ممارستها في المواقع الأثرية، التي تتمثل في القيام بالحفر والتخريب للمواقع الأثرية بحثاً عن كنوز مزعومة أو قطع أثرية، إضافة إلى تشويه الرسوم الصخرية والكتابات الحجرية بطمسها أو الكتابة عليها بالدهان أو نقل الأحجار من المواقع الأثرية واستخدامها في بناء مبان حديثة، والتعدي على المواقع الأثرية والبناء بداخلها".
رقابة دائمة
وشدد الفايدي على أن المملكة تبذل جهودا كبيرة من أجل الحفاظ على التراث المتنوع بكل أشكاله، وهي تأخذ بعين الاعتبار التجارب العالمية المتميزة في الحفاظ على التراث العمراني وتنميته، وتطوير الموروث الثقافي للبيئة السعودية وتوظيفها سياحيا، مضيفاً أن مسؤولية الحفاظ على الكنوز الحضارية مسؤولية جماعية، وليست مسؤولية الدولة وحدها، لأنها تعكس اهتمام الفرد بمجتمعه بكافة صوره، القديمة والحديثة، وعن كيفية التعامل مع هذه الكنوز، ودعا زوار المواقع الأثرة لتقدير هذه الثروة الأثرية التي هي لهم ولبلادهم ولأهليهـم ولأخلافهم.
ترميم العلا
وكانت هيئة السياحة والآثار بمنطقة المدينة المنورة قد أعلنت الأسبوع الماضي عن قيام كلية السياحة والآثار في جامعة الملك سعود بالرياض بأعمال التنقيبات الأثرية السنوية في محافظة العلا في موقع آثار "الخريبة "وموقع آثار "المابيات"، مضيفة أن الجامعة بدأت قبل 10 سنوات في أعمال التنقيبات الأثرية في موقع "الخريبة" وموقع "المابيات" وشهدت التنقيبات اكتشاف أساسات مدينة متكاملة في موقع الخريبة.