نقلت في مقالة أمس الأول هنا بعض ما قيل عن الخوارج على لسان بن تيمية ووهب بن منبه وربطت ذلك بواقع ما يحدث من "داعش" في العراق، وكنت في مقالة سبقت مقالة الجمعة سألت عن سبب تأخر صدور بيان من هيئة كبار العلماء في المملكة حول بيان "داعش" الأخير المتعلق بإعلان دولة الخلافة ووجوب مبايعة الخليفة البغدادي، ويوم أمس غرد على حسابه في تويتر الشيخ عادل الكلباني معززا ما طرحته سائلا (النذر تحيط بنا من كل جانب، أين العلماء؟).
ما طرحته في المقالة السابقة نقلا عن بعض العلماء عن الخوارج خاصة في جزئية أنهم يقاتلون ويكفرون بعضهم البعض وكل يدعو إلى نفسه بالخلافة، هو واقع حال "داعش" وأخواتها في أيامنا هذه، لكنني أيضا اطلعت على تحليل جميل وسريع لواقع الحركات الإسلامية لمن أراد أن يعي الحقيقة وإن كانت مرة، التحليل يقول إن "صراعات الجهاديين ليست وليدة الأزمتين السورية والعراقية، فالتاريخ يروي تطاحن تلك الجماعات، منذ ظهور التيارات الجهادية التكفيرية. وكلما برزت طائفة متطرفة وتسيّدت في حيز مكاني ما، ظهرت طائفة أشد بأسا منها، تكفّرها وتقاتلها وتستحوذ على مكانها.
ففي أفغانستان، تقاتل المجاهدون العرب والمجاهدون المحليون بعد رحيل السوفيات، ثم جاءت طالبان لتكفّر الجميع وتمسك مقاليد الحكم قبل أن تهوي بدورها، ويتسيّد أمراء الحرب من جديد، وها هي اليوم تعود من الباب الكبير.
وفي الصومال، تقاتلت جماعات إسلامية فيما بينها إلى أن برزت "المحاكم الإسلامية" التي قيل إنها تستلهم فكر القاعدة، فبرزت لها بعد هُنيهة جماعة "الشباب المجاهدين" التي قاتلت المحاكم الإسلامية وكفرتها، وغير بعيد عن الصومال، يتعاظم دور جماعة (بوكو حرام) بشكل مطرد.
وفي سورية، يتقاتل الجهاديون رغم استلهام كثير منهم فكر القاعدة، كحال "داعش" التي تحولت إلى "الدولة الإسلامية" و"جبهة النصرة" التي تمثل فرع تنظيم القاعدة في سورية.
وها هي آخر الأخبار تقول أيضا إن زعيم (الدولة الإسلامية) أبو بكر البغدادي وجه مقاتليه للبحث عن تلميذه السابق أبو محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة في سورية الذي انشق عن البغدادي ورفض مبايعته. واشتبه متطرفو الدولة في كون الجولاني متمترس في بلدة الشحيل التي دفعت الثمن باهظا.
هاهم يقاتلون بعضهم بعضا ويكفرون بعضها بعضا بينما عدو الدين والأمة الحقيقي يغتال عشرات الأطفال والنساء في غزة ويحول منطقة مأهولة بالسكان إلى جحيم جراء الكم الهائل من القنابل والقذائف التي يسقطها عليهم.
أمثل هؤلاء يمكن لهم أن يحكموا المسلمين وأن تكون لهم دولة وتكون لهم بيعة؟