كشفت المسلسلات الدرامية التي عرضت مؤخرا عن بعض التصورات عن الحياة الغامضة التي يعشنها الجواري في قصور السلاطين، والذي يحكي قصصا مستوحاة من التاريخ لحياة النساء في الأسر، وجسدت نمطية العيش في أروقة الحريم السري، الذي يتجمعن فيه بعد مرورهن بالأسواق التي يُبعن فيه كالأواني، وتتضمن مشاهد من أشكال المؤامرات والمكائد المفتعلة لانتزاع بعض الفتات من سُلطة الرجل، ويظهر من ذلك كيفية تقاسمهن للأحلام الصغيرة التي تشكل للواحدة منهن المبلغ العظيم لآمالها، في صور من التنافس الشديد للتمكن من الاستحواذ على سيدهن وتملك عاطفته وبلوغ رضاه كمنزلة تكسب الجارية قدرا من الاحترام بين مثيلاتها، وكحل تصنع لنفسها منه القيمة.
وبالرغم من الفوارق الزمنية التي تبعدنا عن ذلك النمط إلا أنه لا يزال مسيطرا على حياة العامة ولو بشكل مبسط نسبيا، ولا يكاد يخلو بيت في مجتمعنا من نموذج السيدة السعيدة في أسرها، وما يتشكل من ذلك في نظم الزواج والعادات الاجتماعية، وبالرغم من أن السلاطين في تلك العصور لا يتزوجون عادة، إنما يحصلون على النساء ويمتلكونهن كإماء، إلا أن المعطيات الحالية تسمح للرجل بالسيادة وتملك الزوجة والتعامل معها وإملاء الفروض عليها كجارية، وتطويق حياتها وسعادتها في كل ما يرضيه، وهو الوحيد الذي يمتلك الإقرار الذي يمنحها به السعادة أو ينتزعها منها!، فيما يجب أن يكون مفهوم الأنوثة هنا مرادفاً للسلبية وهشاشة الشخصية والاتكالية على الرجل، فإذا كانت النفقة على المرأة تعني تملكها والسلطة عليها كمعيار للرجولة، فإن النزاع القائم على فتح المجال كاملا لعمل النساء واستقلاليتهن يفسر الخوف من التباس الأدوار والعبث في الكيان الاجتماعي.
طالما سكن هذا النمط أحلام كثير من الرجال ولامس مخيلاتهم، وقد يختلف كل منهم عن الآخر في إضفاء الطابع بطريقة تتحدد مع مفهومه واحتياجه الخاص، بينما يعذر الجاهل منهم على ذلك، ولكن لنا أن نتخيل أن الرجل الحائز على شهادة علمية عالية ويبحث عن زوجة متكافئة علميا، تتملكه الرغبة في فرض السيطرة عليها، وقد لا يكتفي بامرأة يتزوجها حسب التقاليد، إنما يشعر بالحاجة لرصيد زاخر من النساء، كسلطان من الذاكرة التاريخية، يشبع بإحداهن النزعة السيادية ويحقق الرخاء العاطفي من الأخريات، لكنه يصطدم مع إيمانه الباطني في أن تقييد المرأة وفق إقرار المجتمع لا يجلب إليه السعادة.