في وسط قرية المفتاحة الأثرية بأبها يقع متحف الحضارات، شاهداً على عظمة إنسان هذه البلاد، وموثقاً لإرثه التاريخي والثقافي الذي يعود إلى آلاف السنين، ومؤكداً أن عزيمة الرجال وإرادة الأبطال تقهر كل عوامل الجغرافيا، وتشيد على أرض رمال الصحراء حضارة تضاهي ما سواها.

بمجرد الدخول إلى بهو المتحف، يفاجأ الزائر بالحرفية العالية في عرض المقتنيات، ويأسره هدوء المكان والأضواء الموزعة بعناية في زوايا مدروسة. أول ما يلفت النظر استغلال مساحة المكان في عرض التحف والآثار، دونما اكتظاظ يذهب بتركيز الزائر. إضافة إلى وفرة المادة المعروضة وتنوعها وعدم اقتصارها على حضارة دون غيرها، أو على فترة زمنية بعينها، وكأن القائمين على أمر المكان يعلنون انتماءهم للإنسان، أينما وجد، وكيفما كانت حضارته، دون تمييز أو انحياز أو ضيق أفق. فالثقافة لا تعرف حدوداً، والإبداع لا تقيده تصنيفات.


جهود ذاتية

المفاجأة الحقيقية تكمن في أن المتحف، بكل ما يحتويه من كنوز وآثار ومقتنيات، قد تبلغ قيمتها المادية الملايين، هو جهد شخصي 100%، لم يدفع صاحبه لتحمل مشقة تسييره وتكلفته الباهظة سوى هواية شخصية وحرص ذاتي، منبعه الإيمان بأن آثار الإنسان تعكس حضارته وتظهر مقدار ما كان يحمله من معارف، وما يتحلى به من مهارات.

عن خلفية إنشاء المتحف يقول صاحبه الدكتور حمود الغامدي، إن الفكرة كانت تراوده منذ فترة طويلة، حتى تمكن قبل 3 سنوات من تحويلها إلى واقع.. ويسرد الصعوبات التي واجهته قائلاً، إنه كان يبدل بعض العملات المعدنية النادرة التي يمتلكها بقطع أثرية وتحف حتى تجمعت لديه المقتنيات الحالية. ويواصل قائلاً: "كل ما هو موجود في المتحف ملكية خاصة بي، لم تشاركني أي جهة رسمية أو اعتبارية، ولا أجانب الحقيقة إذا قلت إنني لم أتلق ريالاً واحداً منذ افتتاح المكان". ويتابع في سخرية ممزوجة بالألم: "تضطرني الظروف المادية في بعض الأحيان إلى التنازل عن بعض القطع وبيعها، لتوفير أموال تساعد على استمرار المكان وأداء رسالته الثقافية على أكمل وجه. ولا أخفيكم أن أي قطعة أثرية تنازلت عنها تركت في دواخلي شرخاً نفسياً تصعب مداواته، لكن ليس هناك من حل آخر". ويستدرك بتوجيه الشكر لإدارة قرية المفتاحة على توفيرها الموقع الذي قام بتجهيزه على حسابه الخاص.


عتاب المحبين

وعن علاقته بالهيئة العامة للسياحة والآثار يقول إن هناك تواصلاً بينه وبينهم، لكنه ليس بالقدر المأمول، مشيراً إلى أنه سيستمر من جانبه في التواصل معهم.

ويكشف الغامدي عن تعرضه لمحاولات إغراء كثيرة من بعض المهتمين بالآثار من خارج المملكة كي يبيع لهم بعض مقتنياته، مضيفا: "العروض التي تلقيتها كانت مغرية، إلا أن الهواية وحب اقتناء النوادر لإعطاء المتحف هويته كانت أقوى من المردود المادي، وأتمنى ألا نضطر لذلك مستقبلاً، حيث إن بقاء مثل هذه القطع داخل المملكة أفضل من المغريات المادية، وكأي مواطن محب لوطنه لا أميل إلى خروج هذه النوادر من دولتنا العزيزة، حتى لا نفقدها هويتها المميزة وتاريخها المشرق ولتكون شاهداً للأجيال القادمة".

ويثني الغامدي على حجم التفاعل الذي يبديه زوار المتحف، قائلاً، إن كلماتهم تمثل بالنسبة له بلسماً يداوي كل جراح التجاهل التي يجدها من البعض، ودافعاً له للاستمرار في إبقاء هذا الصرح الثقافي مفتوحاً، كما يعوضه عن كل ما أنفقه من أموال في سبيل إنشائه.