يمثل أمام القارئ حين تفكيك اسم "الرئاسة العامة لرعاية الشباب" عدد من الدلالات التي توصل إلى أن هذه المؤسسة العملاقة معنية بشؤون الشباب كلها، فدلالة الرعاية تأخذنا إلى منحى أبويّ يخيم بظلاله على حراك الشباب وتفاعلاتهم منذ نعومة الأظفار وحتى يشب عن الطوق، ويصبح على قدر من المسؤولية والكفاءة الرامية إلى المشاركة في تنمية الوطن، والعمل على ترقيه في شتى مناحي الحياة.

هذه المؤسسة التي تستحق بالفعل أن تكون وزارة مستقلة لما تحمله على عاتقها من أهداف وغايات كبرى، موجهة كلها لذخيرة الوطن وعتاده، اختزلت في الألعاب الرياضية فحسب، وربما انصب جلّ الاهتمام في كرة القدم وشيء يسير في ألعاب القوى، فيما لم أسمع ـ على الأقل في عشر سنوات مضت ـ عن برنامج أو خطة موجهة لرعاية الشباب على الصعيد الفكري والثقافي والمهارات الحياتية، كبرامج السلوك وتعديله، أو التنمية البشرية، أو برامج تطوعية تقودها "الرئاسة" أو حملات شبابية استكشافية أو غير ذلك؛ مما يجعل للشباب الحضور الذي يشرفنا ويرفع رؤوسنا، بدلا عما تحمله وسائل التواصل الاجتماعي من مشاهد مخجلة وسطحية وشاذة، ينكرها المجتمع وينفر منها الذوق الرفيع.

هذا في الواقع أمر مايزال مثار تساؤل واندهاش، حتى لو قال قائل: أن المسؤولية التربوية والتعليمية تقع على عاتق وزارة التربية والتعليم أو وزارة الثقافة والإعلام، وهذا صحيح في مسار معين، لكن من زاوية أخرى نرى أن الأهداف مكملة لبعضها بعضا في الأصل، فالطالب الذي يتلقى العلوم والمهارات في قاعة الدرس، يحتاج إلى محاضن ترعى مواهبه وقدراته وتنمي أفكاره وتحتوي نشاطه، ولا إخال مكانا أنسب لذلك من الأندية الشبابية "الرياضية الآن"؛ لأنها ـ إن أعدت ورسمت أهدافها ـ ستقوم بأدوار غير معتادة قد تتجاوز ما يمكن تحصيله في خطة ممنهجة كخطط التعليم.

وهنا أقترح أن تعيد "رعاية الشباب" النظر في صياغة وتفعيل أهدافها، والإعلان عنها مرة بعد أخرى، وتوظيف معطيات المرحلة من وسائط تقنية وبرامج متلفزة لحفز الشباب تجاه الاستفادة مما توليه حكومتنا للشباب.

القضية ليست في تشجيع ناد دون آخر، فليس هذا هو الهدف الأسمى الذي سيرقي ناشئة الوطن، نحن في حاجة إلى رياضي مؤهل ومثقف سليم الفكر والتوجه، لا كما نرى من بعض لاعبينا الذين باتوا صورا مشوهة وممسوخة، يقلدها أبناؤنا في قصات الشعر الغريبة أو الممارسات غير المسؤولة.

"رعاية الشباب" مؤسسة حملها ثقيل إن تجاوزت كرة القدم، ومؤكد أن رئيسها يدرك ذلك ويعمل عليه في خطته الجديدة.