"صديقتي ذات شخصية مرحة، فهي مبتسمة دائما، ونتساءل جميعا.. ما الأمر الذي يجعلها فرحة إلى هذا الحد، فهي تدبر المقالب، وتكثر من الضحك، بل وتفرط فيه، يلتف حولها العديد من الزميلات، خاصة في الرحلات الخارجية، ولكن الأمر يتحول أحيانا إلى عتاب وخصام، خاصة وأن عباراتها لا تخلو من التهكم والسخرية"..

بهذه العبارات وصفت "سعاد" زميلتها في الجامعة "منال"، معبرة عن رفضها لهذا الأسلوب، لأنها ـ كما تقول ـ تؤمن أن مرح الفتاة يقلل من وقارها ويشوه شخصيتها.

في المقابل، ترى منال أن الناس أصبحوا يملون من المرح، حيث تقول: "أحب المزاح، وأمقت الكآبة، وأنتهز أي فرصة لأزرع البسمة بين الصديقات، وهذا لا يعني أنني أقصد التهكم عليهن، بل الهدف ببساطة إضفاء جو من المرح يجدد النشاط والحيوية، ويزيد الإقبال على الحياة".

وتابعت "أتعجب من رفض الناس للضحك، وتمسكهم بالتجهم، فهل تعودت آذانهم على سماع الأخبار المحزنة التي تبثها نشرات الأخبار العالمية، لدرجة أنهم باتوا لا يرغبون في البهجة؟، لا أدري من المخطئ أنا، أم هم؟".

وهكذا يتحول "الفرح" أحيانا من صفة جميلة إلى "مشكلة"، وفي بعض الأحيان إلى "مرض"، ففي الوقت الذي يؤيد فيه البعض المرح والفكاهة، يتحفظ آخرون، مشترطين وجود ضوابط تمنع الإساءة إلى الآخرين.

ولم تكن الطالبة الجامعية "مرام" بعيدة عن "سعاد" التي تتحفظ على هذا النوع من المرح، حيث تقول: "أرفض المرح الزائد، فالفتاة يجب أن تتسم بالهدوء، وأن لا يعلو صوتها أبدا، هكذا تعلمنا وتربينا".

وأضافت "لدي زميلة في الجامعة تفرط في المزاح والضحك بسبب وبدون، لذلك أحرص على تجنبها، خوفا من أن تطالني إحدى كلماتها، أو نكاتها التي لا تحتمل، فأرد عليها، وتحدث مشكلة".

السبعيني طارق الحبلاني، يقول: "في شبابنا كنا نحرص على المرح والضحك، وكنا لا نخالط إلا من عرف عنهم خفة الظل وتميزوا بالفكاهة، والسبب في ذلك أن الإنسان المبتسم المتفائل يخفف ضغوطات الحياة، وكنا نتقبل من الآخرين المقالب التي تضفي على الحاضرين الابتسام، أما الآن فقد تبدل الأمر، لدرجة أن البعض لا يتقبل المزاح، ويعده من التجاوزات غير المسموح بها"، مشيرا إلى أن إيقاع الحياة السريع شغل الناس، وألهاهم عن السعادة الحقيقية.

وأضاف أن"النفوس تغيرت، لذلك أستغرب من قول البعض أن الزمن هو الذي تبدل، ولكن "نعيب زماننا والعيب فينا ، وما لزماننا عيب سوانا".

من جانبها، أكدت أخصائية علم النفس التربوي بتعليم القريات هلالة سالم المعبهل أن "الشخصية المرحة اجتماعية ومحبوبة، ونحن نشجع على التماس كل مسببات السعادة، ولكن على أن يكون في حدود العادات والتقاليد، وبشرط أن لا يصل الأمر إلى التجاوزات، والانتقادات اللاذعة والتعليقات التافهة التي تقلل من الشخصية". وأضافت أن "البعض يعاني من "المرح المزمن" وهو مرض نفسي، ويتسم أمثال هؤلاء باللامبالاة وعدم المسؤولية، حيث يطلقون العنان لتعبيراتهم التي قد تجرح مشاعر الآخرين".

وعن الدافع النفسي لذلك، قالت إن هذه الشخصية تكون أحيانا محاصرة بكم هائل من الهموم على صعيد العمل أو المنزل، فتحاول جاهدة أن تخرج من هذه الدائرة عن طريق إطلاق النكات والسخرية من الآخرين، فتكون النتيجة في بعض الأحيان عكسية. وعن كيفية التعامل مع هذه الشخصية، تقول المعبهل "الحذر واجب في التعامل مع هواة "المرح المزمن"، فلا بد من أخذ الحيطة لأن هؤلاء همهم الوحيد هو إسعاد النفس، دون اعتبار لمشاعر الآخرين.

وأضافت أن "الاعتدال مطلوب في كل شيء، لذلك فإن المرح البريء مطلوب، شريطة مراعاة العادات والتقاليد، وعدم التجاوز إلى حد التهكم والسخرية، مشيرة إلى أهمية مراعاة مدى تقبل الطرف الآخر لهذا النوع من المداعبة.