وأنا أحاول أن أتذكر البدايات الأولى مع الكتابة تحضرني مقولة الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس: "إننا نكتب لأننا ببساطة نقرأ". ولعل من هذا المبدأ كانت البداية الحقيقة في حكايتي مع الكتابة.
كانت مكتبة والدي - رحمه الله - في صغري توجد في "مجلس" المنزل، حيث يستقبل ضيوفه وهذا منحها بنظري أهمية توازي أهمية الضيف ومكانته، فأصبحت ملجأ لأوقات فضولي وخلواتي أجلس قربها بالساعات مقلدة في البدء لأبي وقضائه في القراءة ساعات طويلة ثم مدفوعة بالشغف لاكتشاف العوالم خلف دفات تلك الكتب التي كانت محدودة التوجه والأعداد. ومع تقدم العمر بي ازداد معيار الفضول لاكتشاف عالم الكتب وأصبحت أحرص على اقتناء ما يمكن الوصول له في أي مجال وعنوان. وهذا ما جعل محاولة الكتابة في الصغر مشبعة بالسجع والصور البلاغية المليئة بالاستشهادات الشعرية القديمة لأنها الفلك الذي بدأت القراءة فيه ولأنني كنت أُفتن بالقصائد العربية المنظومة بجمال أخاذ حينما يغنيها أحد المطربين الكبار قديمًا وتشغلني الكلمات عن اللحن كثيرًا. ثم مع الحصول على أول رواية في مرحلة المراهقة وكانت لجبران بدأ السرد يأخذ حيزه في محاولاتي الخجولة والخفية للكتابة.
كتابة اليوميات المنوعة بين عبارات مسجوعة وأفكار خاصة امتدت دون التفكير في النشر حتى بدأت الدراسة الجامعية التي ساعدتني على الاطلاع على الأدب الأنجلو - ساكسوني والأدب الإنجليزي في العصور الوسطى والحديثة. ولتعذر العثور على الكتب بسهولة وقتها كنت أعتمد على ما يوجد بالمناهج الجامعية في القراءة والانبهار بالخط الحر في الكتابة. آمنت بعدها أن الكتابة لا تقولب وأننا حينما نكتب فإن مشاعرنا تسيل مع مداد الحبر وتتشكل كيفما أراد لها الأدب قالبًا. وببداية النشر الإلكتروني مطلع الألفية الجديدة بدأت أنشر بعض النصوص النثرية والشعرية في مجلات إلكترونية وورقية وبعض الصحف بالإضافة للمواقع الإلكترونية المختلفة. وفي عام 2012 صدرت لي رواية "الباب الطارف" كأول تجربة في النشر. وقبل شهرين من الآن بدأت كتابة المقال عبر منبر الرأي في جريدة الوطن وللمرة الأولى في كتابة المقال. وخلال الأسابيع الماضية تعلمت الفرق بين كتابة المقال وغيره وما زلت طور التعلم والاستزادة. فغالبًا ما تخضع كتابتي للمزاجية المتطرفة في الوقت والصورة، وهذا ما كسرته الكتابة المقالية المنتظمة التي تحتم عليّ عددًا محددًا من الكلمات وتُجلسني قِبالة أوراقي وحاسوبي في أوقات محددة. لم أتعرض حتى الآن سوى لاستبدال لطيف لبعض العبارات والكلمات في مقالاتي بما يتناسب مع رؤية الرقيب والصحيفة، وما زالت التجربة المقالية معي في بداياتها الأولى وسط بحر الكتابة الغزير.