هل يمكن أن نكرر "العبط" نفسه من جديد في التعامل مع "الدواعش الجدد"؟

من الأوهام الكبيرة التي طالما رددها كثير أن الإرهاب هو رد فعل للمظالم الخارجية والداخلية، كيف ذلك وهم في الحال ذاتها يرون أن الديموقراطية والحريات كفر وفجور، وأن حقوق الإنسان بدعة غربية؟! ولو كان غياب الحريات مبرراً لقيام الإرهاب، فما تفسير الإرهاب في بعض الدول الأوروبية التي تعيش في قمة الديموقراطية؟

أما المظالم الخارجية؛ فيقصدون بها المظالم الغربية للمسلمين، فهؤلاء يفسرون الإرهاب ويبررونه بأنه ردة فعل للعدوان الغربي والإسرائيلي، ولا أعلم ما علاقة ذبح المسلمين بالمظالم الغربية لنا؟ هل نحن الأمة الوحيدة المعرضة للظلم؟ هناك كثير من الشعوب يعاني مظالم أشد، ومع ذلك لا يعرفون شيئاً عن العمليات الانتحارية.

والحق أن مظالم المسلمين منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا هي أشد وأنكى من مظالم الآخرين لهم، ولك أن تنظر كيف تتقاتل الجماعات المتشددة في سورية والصومال وفي العراق وأفغانستان! وإذا كان الإرهاب وليد الظلم الإسرائيلي فلماذا لا تنتقم "داعش" من إسرائيل؟ ولماذا لم تطلق طلقة واحدة ضدها؟!

ومن الأوهام التي يتوهمها البعض أيضا، أن الإرهاب رد فعل طبيعي نتيجة التطرف العلماني والليبرالي، وهو تبرير زائف، إذ لم يعرف عن العلمانيين والليبراليين العرب أنهم في يوم ما كفروا أو فسقوا أو قطعوا رؤوسا!

ومن جملة الأوهام المضحكة كذلك القول بأن "داعش" هي فئة مرتزقة، ولا أعلم هنا هل الذي يعمل من أجل المال يفجر نفسه بين الآخرين؟ وهو الزعم ذاته الذي يبرر الإرهاب بأنه انعكاس لحالة الإحباط الناتج من الفقر والبطالة وهذا خلاف الحقيقة، إذ إن غالبية الجماعات المتطرفة لا تعاني فقراً ولا بطالة، بل عندهم من الأموال ما يكفيهم لتمويل عملياتهم التخريبية.

إن "داعش" في واقعها ليست حركة صهيونية كما يصورها البعض، بل هي منا وفينا، هدفها الأساس من هذا الزحف هو التخلص من أعدائها من أتباع الطوائف الأخرى، الذين شحن شيوخهم أدمغتهم بأنهم الأعداء الحقيقيون وليست إسرائيل أو الغرب.

إنني أعتقد أن واحدة من الأمور الجوهرية التي تزيد من عمر الإرهاب وتسهم في تضليل الوعي العام، هي التشخيص الخاطئ للظاهرة الإرهابية، خاصة الربط الخاطئ بينها وبين العوامل السياسية.

إن "داعش" منا وفينا، وهي في نظري ليست بالجديدة ؛لأن الداعشية موجودة فينا، وإن غاب عنا مسماها الذي يكرهه شيوخها، وبعبارة أخرى من غير المفيد أن تلاحق الإرهابي الداعشي وتجامل المتطرف الداعشي، فالأخير هو من عبأ الأول بالفكر الداعشي

"داعش" هي نتائج خطابنا المتطرف الذي زين لهم التكفير والقتل بدم بارد. فقيم "داعش" و"الإخوان"، وجهان لعملة واحدة؛ إذ إن هذه الجماعات كانت تضع أهمية كبرى على التعليم العام، لما تمثله المرحلة من سهولة في السيطرة على العقول، وتشكيل الفكر، وتكوين كوادر تكون قادرة على تنفيذ ما يطلب منها دون سؤال. فكما خرجت "طالبان" و"الإخوان" من تحت عباءة آلاف المدارس الدينية ومراكز التحفيظ التي سيطرت عليها الجماعات المتطرفة، فإن "الكائنات الداعشية" أيضا خرجت من العباءة ذاتها، وهي ما زالت تتوالد بكثرة!