حتى الآن أشعر أن مونديال الكرة العالمي هذه المرة أقلها براعة ومهارة وأقلها متعة وأقلها نجومية للاعبين اللافتين المتفوقين.

لا تكاد تجد اللاعب الفلتة الذي يلوي عنقك ويُطّير عقلك ويسلب قلبك.. هذه الدورة في نظري دورة العاديين التقليديين إنها دورة الجود من الموجود: ليس ثمة إلا ميسي ومولر و"العضاض" سواريز والكولومبي رودريجيز.

قد تكون نسبة التسجيل مرتفعة لا أعلم، وقد تكون هذه دورة حراس المرمى وزمن بروزهم لكنها في نظري كمشجع ومتابع تظل أضعف دورة كأس عالم عايشتها وأقلها إثارة وأندرها نجوماً.

لقد أفسدت الخطط الدفاعية والاتكاء على محاور الارتكاز كل التطلعات الهجومية وكل المبادرات الجسورة التي كانت لا تكتفي ببراعة المهاجمين ولكنها تمدهم بدعم لاعبي الوسط المهرة، لكن خطط الكرة الحديثة انحازت إلى اللعب بالـ 5-4-1 وهو منهج الدفاع قدر الإمكان عن نظافة المرمى من ولوج الأهداف والركون إلى أسلوب الهجمة المرتدة الخاطفة، وهكذا فإن هذا الأسلوب قد صنع ما يسمى بمجد المدافعين أو لاعبي الارتكاز.

لقد مر حين من الدهر كان فيه المجد والنجومية منحصرين في لاعبي المقدمة من المهاجمين الذين يعرفون أقصر الطرق إلى المرمى.

كما كان المجد مفروشاً لأعوانهم من لاعبي الوسط الذين يمدونهم بالكرات الجاهزة والتمريرات الساحرة التي تجعل المهاجمين في مواجهة وانفراد بالمرمى.

ولهذا فقد كانت دورات كأس العالم الماضية مسرحاً لنجومية بيليه، وجارينشيا، وبلاتيني، وفالكاو، ورومينيجه، وباولو روسي، وإيدر، وزيدان، ورونالدينيو، وسقراط، وكيمبس، وكرويف، والنادر الذي لا يتكرر مارادونا.

لكنها لاحقاً صارت مسرحاً لبراعة لاعبي محاور الارتكاز الذين يذودون عن المرمى بكل قوة وصلابة ويستوون في ذلك مع حراس المرمى الذين صار لهم صولاتهم في دورة كأس العالم الحالية في البرازيل.

كانت نهائيات كأس العالم تتمحور في مآلاتها ومنالاتها بين دول المقدمة أو الدول الكبرى في لعبة القدم لكنها في هذا العام قد غيرت من مزاجها وكادت تنحاز بعيداً عن محور الدول الكبرى التي تسيطر على كرة القدم فوزاً وحيازة، وأعني هنا: البرازيل والأرجنتين وإيطاليا وألمانيا وغيرها.

نعم لقد كادت الكرة هذه المرة أن تنحاز إلى محور الضعفاء، وإذا كانت دورات كأس العالم السابقة تتجه على الفور إلى الكبار فإنها تكاد تكون - في هذه الدورة - كرة الخدم من الدول الضعيفة اقتصادياً.

هل تصدق أنه الحظ وإلا كاد الكأس أن يمضي مختالاً إلى كوستاريكا أو كولومبيا أو تشيلي أو الجزائر بعد أن كان المفروض أن تمضي هذه الفرق قدماً للأدوار النهائية برفقة الأرجنتين وهولندا وألمانيا والبرازيل، لقد تغيرت كرة القدم وتغيرت ذائقتها، وخططها ومراكز نجومها.

ولأنني من جيل كرة المهرة والبارعين الذين يلعبون الكرة بمزاج رفيع ونفس عالٍ، فإنني أخشى - مع الخطط الأخيرة - أنه قد مضى زمن الأفضل من أساطين كرة القدم في خانتي الوسط والهجوم بعد أن أدركنا في آخر دورتين لكأس العالم أن مجد الكرة قد صار منحازاً إلى لاعبي المحور.

هكذا أصبحت خطط وأساليب كرة القدم في كل العالم وهي كذلك في كرتنا المحلية، فقد مضى زمن النادر يوسف الثنيان والماهر ماجد عبدالله لأن المستجدات الخططية صارت تعلي من قيمة لاعبي محاور الارتكاز، ومن هنا برع خالد عزيز في الهلال وإبراهيم غالب في النصر وعمر الغامدي وكريري وغيرهم.

ليت كرة القدم تعود إلى متعتها وتترك التحوطات والترسانات الدفاعية التي أصبحت معها الكرة لعبة مادية تنحاز إلى المكسب بعيداً عن المتعة والمهارة والأهداف، وإن استمرت هذه المناهج والأساليب الكروية بلا تغير أو عودة إلى الخطط الهجومية فإن ذلك سيمهد الطريق للقوى الكروية الصغرى لتعتلي منصة الفوز بكأس العالم مستقبلا.