كلما فتحت نافذة موسيقية أو تعليمية أو ثقافية على الموقع الأشهر عالميا الـ"يوتيوب"، خرجت لي على اليسار قوافل النوافذ "الترابية"، التي كنت أعتقد سابقا أنها مجرد لمحات وعظية هشة وسطحية - كما جرت العادة في المنظومة الإيمانية لدينا - لكن حب الاطلاع قادني ليلة كاملة نحو عملية استكشاف لفحوى هذه المكنونات التي حظيت بكمية مشاهدات كبيرة، وكانت بالنسبة إلي صدمة إذ لم أصدق كمية الرسائل المبطنة والممررة والمفخخة من خلال أفواه مقدمي هذه المواد من دعاة معروفين وغير معروفين، فالقصة لا تحتاج أكثر من زيارة لأقرب مقبرة وتصوير قبر مفتوح وتعليق بصوت مرتجف ينهيها بدمعتين حارتين تتساقطان على لحيته، ولكن المشكلة لا تكمن في هذه المشاهد التي تتأرجح على حبل العاطفة الدينية، بل في المادة الخطابية المقدمة من خلالها، إذ كان التركيز في جل ما يقدم فيها على عذابات "الآخرة" عبر هذا القبر الذي تصور ظلمته الكاميرا، فيجلس "الشيخ" بجانبه باكيا شارحا أن هذه الدنيا زائلة ودنيئة ومن الواجب الالتفات لهذا القبر وطريقة الفكاك من وحشته وثعبانه و"ضمته" عبر الانصراف للطاعات التي لا تكتمل إلا حينما "تضحي"، لاحظوا الكلمة "تضحي بكل شيء" لتخرج منه سالما، وهنا يبدأ الشيخ مرحلة التلغيم من خلال "وجوب نصرة المسلمين في أي بقعة في الأرض" دون أن يذكر كيفية نصرتهم والوقوف بجانبهم، وفي نهاية المقطع يكمل تفخيخه للمشاهد بتركيزه في الدعاء على تمني الشهادة في سبيل الله..
أخيرا ذهلت من فحوى هذه المقاطع التي أكاد أجزم أن أي متطرف من أبنائنا ذهب لمناطق الصراع كان لا بد في بدايته أن يعبر الطريق من خلالها نحو قبره.