ليلى مديش
إهمال الأمانة خيانة، ورفع الوضيع وخفض الرفيع من المفاسد التي نبه عنها ديننا الحنيف، قديماً قالوا الرجل أو الشخص المناسب في المكان المناسب، قد يتصور البعض أن هذه المقولة قد ظهرت مؤخراً عندما ظهرت المشاكل من المحسوبية والوساطة من ذوي المناصب، الذين هم في الأساس وصلوا بذات الطريقة وما ترتب عليها من وضع اجتماعي سيئ بأن يوضع الشخص سواء كان رجلا أو امرأة غير المناسب في المكان غير المناسب، وأيضا وضع غير المناسب في مكان يستحقه من هو أكفأ منه، وهو ما نراه - وللأسف - هذه الأيام في ظل غياب الرقابة والمحاسبة.
الحقيقة أن هذه المقولة لها أصل في الشريعة الإسلامية بدأت معها واستمرت حتى الآن، وكان من يراعي ذلك وأوصى به أتباعه من بعده هو النبي صلى الله عليه وسلم واتبعه الخلفاء الراشدون من بعده في هذا المبدأ بكل أمانة. ففي التراث الإسلامي حث رسول الهدى صلى الله عليه وسلم على وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وذلك مراعاة لظروف العمل ومتطلباته وقدرات الفرد وإمكاناته، وقد انعكس ذلك فيما بعد على نجاح رسالته عليه أفضل الصلاة والسلام للناس.
ولذلك حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من تضييع هذه الأمانة أو التفريط فيها، في قوله: "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة" قيل: وما إضاعتها يا رسول الله؟ قال: "إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة" رواه البخاري.
ولم يكتف الرسول صلى الله عليه وسلم بالتحذير من عاقبة سوء الاختيار، بل إنه عد ذلك مخالفة لأوامر الله، وغشاً للمسلمين، فقال: "أيما رجل استعمل رجلاً على عشرة أنفس، وقد علم أن في العشرة أفضل ممن استعمل فقد غش الله وغش رسوله وغش جماعة المسلمين" رواه أبو يعلى، عن حذيفة.
وبلغ من حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على حسن الاختيار، أنه كان يرفض تعيين القيادات وفقاً لمعيار القرابة والمحاباة، وقد نحا نحوه خليفته أبو بكر الصديق، فيما رواه يزيد بن سفيان حين قال: قال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - حين بعثني إلى الشام (يا يزيد إن لك قرابة عسيت أن تؤثرهم بالإمارة وذلك أكبر ما أخاف، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ولى من أمر المسلمين شيئا فأمر عليهم أحدا محاباة، فعليه لعنة الله لا يقبل منه صرفا ولا عدلاً حتى يدخله جهنم، ومن أعطى أحداً حمى الله، فقد انتهك في حمى الله شيئاً بغير حقه فعليه لعنة الله، أو قال تبرأت منه ذمة الله - عز وجل -، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
أما اليوم فقد تغير الحال فأصبح غير المناسب في المكان المناسب، وهو ما نشاهده في مؤسساتنا التربوية على وجه الخصوص من فوضى ولخبطة إدارية بسبب استغلالية للمنصب والوظيفة.
مؤخراً وضع علم إدارة الموارد البشرية الأسس الصحيحة والواثقة لتقدم الأعمال وتطوير الإنتاج، ولهذا فقد كان من أهم الاستراتيجيات التي تعمل عليها وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، فقد بينت التجارب الكثيرة في المنظمات أن عددا من الانتكاسات والمشاكل في العمل كان سببها سوء إدارة العمل وضعف القرار المتخذ، وعدم الخبرة في التعامل مع الآخرين مهما كانت صفاتهم، وهذا الأمر لا يعود إلى وجود مشكلة أو خلل في الوظيفة أو العمل فحسب، بل لأن هناك خللا في عدم قدرة من يديرها ويتحمل مسؤوليتها.