"قليلون من يتشبثون بخشبة الشعر، حتى وهم في فم العاصفة، والقليلون من يبدؤون نهارهم أو يمزجون ليلهم بقصيدة، والقليلون/الكثيرون سيحتشدون اليوم في كل ركن قصي من العالم ليرفعوا نحب القصيدة، وينفخوا نارا في الكلمات". بهذه العبارات الشعرية استهل الشاعر محمد الدميني، احتفالية "يوم الشعر العالمي" التي نظمتها شراكة ثلاث مؤسسات ثقافية في المنطقة الشرقية، في احتفالية تمتد حتى يوم غد، عبر أمسيات شعرية، مصحوبة بمعرض تشكيلي وعزف موسيقي تبناها "ملتقى الوعد الثقافي" بالتعاون مع فرع جمعية الثقافة والفنون بالدمام ونادي المنطقة الشرقية الأدبي. الدميني أضاف في كلمته قائلا: إننا نؤمن بالشعر كأرض تاريخية تختصر الخيالات والأحلام والأوهام، ونؤمن به لأنه يرفع الكائن البشري فوق مشاغله الآنية وحطامه اليومي، ليتأمل ويبتهج ويتواصل ويذلل قسوة الحياة وجفافها العقلي والعاطفي والروحي، إنه في ذهابنا إلى القصيدة وفي حضنا على قراءتها وتداولها، ينبغي أن نتسلح بمزيد من الشفافية، فلا نتغافل عن أن مكانة الشعر تتراجع، وأن مساحة المقروء منه تتقلص لصالح أشكال كتابية أخرى.
وطالب الدميني بأن تكون العلاقة بين الشعراء والقصيدة أكثر ديناميكية بحيث تؤدي إلى حوار حقيقي ومتواصل بين الشعراء والنقاد والقراء للوصول إلى حلول راهنة وعملية لتوسيع رقعة الشعر على خريطة الأدب في العالم كله، وفي بلادنا العربية على الخصوص.
وتابع الدميني: هناك منصات وقنوات تواصلية ضخمة لم تستثمر بعد كما ينبغي لنشر الشعر، ورسالته والتواصل من خلاله مع أطياف القراء التي أصبحت على مقربة من أيدينا ولم يعد يحجبها أو يتسلط على صناعة وعيها وذائقتها سلطة ما، وعلينا في الوقت نفسه، أن نتعامل بمهارة وحكمة تجاه تلك الأصوات التي ترمي الكون الشعري، خاصة تجاربه الجديدة بأقسى الألفاظ والنعوت، إذا كنا نؤمن عميقا أن ما نكتبه هو موجه لكل الناس، فإن علينا أن نتحاور وأن نفسر ونشرح وأن نتعود أحيانا على إدخالهم إلى مختبرنا الشعري السري، وأن على القصيدة أن تحث خطاها أكثر باتجاه الفنون الصديقة لنا، كفنون السينما والرواية والموسيقى والتشكيل والنحت والفوتوجرافيا، ففي تضافر هذه الفنون مع الشعر نفتح فسحات جديدة في أرواحنا ونفوسنا ووجداننا وخيالنا ولغتنا.
ومن أجل الشعر ورسالته الكونية، نلتقي لنوقد شموعه ونشارك العالم احتفاليته بهذا "الفن المختلس" كما قال أمل دنقل يوما.
وتحدث القاص فاضل عمران، مشيدا بالشراكة بين الجمعية والنادي الأدبي والملتقى، موضحا أنه منذ أن وقف امرؤ القيس على أطلاله ونحن نركض في دروب الحياة نستنشقها وكأنها تنتهي بعد ثوان، ونعيش اللحظة على أنها لن تجيء مرة أخرى، يسكننا قلق دائم، يأخذنا للتعب الأبهى "القصيدة"، النص الذي يعتصرنا في ولادته والخارج منا كما الروح المبهج كقوس قزح. منذ كان الشعر، كان الحب وكانت الأسئلة، مر أسلافنا وكل يغني على ليلاه، يستل وجعه ويزرعه كسنبلة تجعل لطعم الحياة ما يستحق العيش، الشعر ملاذ آمن كالموسيقى لأرواحنا، فتجددوا بهما كي لا تشيخوا باكرا، لافتا إلى أن الملتقى الذي يقترب من العشر سنوات، يعمل على تجسير الهوة مع الملتقيات، وقال: نأمل في التعاون معها في فعاليات كبرى تنهض بالحراك الفكري، وتبني الإنسان إيمانا منا بدورها البناء في هذا الوطن العزيز.
وقدم أستديو الممثل في الجمعية مسرحية "مجرد اقتراح" من تأليف وإخراج الفنان محمد الحلال، وتناول العمل عددا من قضايا الشعر الحديث، في قالب كوميدي، ومن أهم القضايا التي تناولها، عدم اهتمام شعراء النثر بهموم الشارع والمواطن. وتضمنت الاحتفالية افتتاح الفنان عبدالله الشيخ، معرض "غواية لون"، في قاعة عبدالله الشيخ للفنون، وشارك فيه 19 فنانا وفنانة، هم "عبدالله الشيخ، عبدالرحمن السليمان، تغريد البقشي، عبدالله المرزوق، مجيد الجاروف، سوسن الحمالي، مهدية آل طالب، زهراء المتروك، سيما عبدالحي، بشار الشواف، جاسم الضامن، زينب الماحوزي، سكنة حسن، مازن حسين، رملاء الحلال، حسين السماعيل، عواطف آل صفوان"، وأشرف على المعرض الفنانة غادة الحسن، والفنان زمان جاسم.