لا أعلم ما الذي استدعى الشاعر الكبير أحمد شوقي إلى ذاكرتي. شوقي أمير الشعراء، الذي منح الشعر أفقا أرحب، ضاق به لألف عام منذ رحيل المتنبي، ورغم التكريم والتقدير اللذين حظي بهما في حياته، إلا أن ثمة تيارا في الأدب العربي حاول التقليل من شأنه، متكئا على علاقة شوقي بالبلاط الملكي، وقربه من الطبقة التي كانت تتحكم في سير الأمور حينها. كانت دوافع أيدلوجية بحتة ومنطلقات من أجواء مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث الثورة في مصر الخمسينات والزخم الثوري الشيوعي يجتاح العالم من الصين وحتى أميركا اللاتينية، ورغم ما حفلت به قصائد الراحل الكبير من نزعات تحررية، ودعم للشعوب العربية وهي تصارع الاستعمار، إضافة إلى شحنها بالوعي الوطني الذي كان مساندا لتحركات الكتل الوطنية في بلده، إلا أن الاشتراكية النقدية ومخرجاتها كانت تراه مجرد منتج برجوازي أُخذ عليه ارتباطه بالقصر وبلاطه، متجاهلين عاملا مميزا في تاريخ الفنون والإبداعات البشرية التي لولا القصور والأسر الملكية لما انتعشت إبداعات الفنانين والشعراء والمبدعين: موسيقى وشعر وفنون، رعت القصور كل تلك الإبداعات منذ نشأة البشرية ومنحتها الحياة، واستضافت مبدعيها في تلك القاعات الفخمة، حيث قدموا عصارات أفكارهم ورؤاهم، وانطبق ذلك على الشاعر الكبير الذي أتيح له تعليمه المتقدم ووعيه العميق إضافة لتمكنه من عدد من اللغات العالمية اكتسبها من وجوده لسنوات في فرنسا وإسبانيا من إحداث علامة فارقة تجلت في اجتراحه لفن المسرح الشعري في الأدب العربي، الذي لم يكن موجودا قبله. أما في الموسيقى، فيكفي أن نعرف تبنيه لعبقري الموسيقى الكبير محمد عبدالوهاب، لندرك أي أثر تركه، هذا عدا طرقه فنون الشعر المتعددة، التي أبانت عمق وتأصيل موهبته الرائعة المتجاوزة لكل من سبقه من فحول الشعراء العرب منذ العصر الجاهلي وشعرائه العظام.
رحم الله شوقي العظيم علامة الشعر الفارقة في القرن العشرين وسيده بلا منازع، رغم كل النزعات والمذاهب والمدارس والتجارب، عاش شوقي ومات كبيرا عابرا الزمان ذهبت حملات التشويه والاتهامات والتقليل إلى حيث ذهب أصحابها الذين لا يذكرهم أحد وأنصف الشعر شاعرا من أجمل شعرائه.