لم تغرب شمس الصحافة الورقية التي بدأت مشواري معها بعد، ويبدو أن الغروب لن يكون مع الصحافة الإلكترونية، فثمرة الحياة هي العلاقة التي وصفها "أرسطو" أو هكذا قال "وردمورث": "الثمر وسيلة المعرفة".. والمهم اتفاقهما على أن التآلف سمة "ثمرة الحياة"، وفي لهجة عسير "ما به ثمرة" يعني ما فيه "ودفة"، وكلهما تعطي ذات المدلول.

كان مشواري مع "ثمرة الكتابة" أحيانا "بالودفة"، وأحيانا "ما في المنخل ذرّة"، وأحيانا "يصلُب ضرس العقل"، وأحيانا نلحق الغرب المسحاة، لكن التعاطي يظل صامدا أمام عواصف زوار الفجر وأصحاب النوايا السيئة.

قدر صحفي الأرياف خوض التجربة دون هوادة "مثل حمار القايلة" ويستقر به الحال بعد "التمردغ" في تراب التحقيقات الميدانية والحوارات الصحفية وتغطية المناسبات الثقافية والرياضية والاجتماعية و"تمتير" الشوارع والقرى والهجر.

هكذا كانت التجربة، ركض نحو الجهات الأصلية والفرعية "مثل الشعير"، وبعد هذا اللهاث بدأت أترنح في زوايا الفكرة التي "تأخذني وتوديني"، وعلى مشارف المدينة بدأت كتابة أول زاوية في حياتي بعنوان: "في خاطري شيء" في صحيفة الجزيرة، التي تعلمت فيها أبجديات العمل الصحفي، ثم انتقلت إلى صحيفة الاقتصادية وفيها تعلمت من رئيس تحريرها محمد التونسي، ما لم أتعلمه من قبل، وفيها كتبت زاوية "بيادر"، ثم مارست الاحتراف الكتابي بالتنقل بين الصحف السعودية، ليستقر بي الحال في صحيفة الحلم العسيري الذي راودني كثيرا وفسره لنا "خالد الفيصل" بعد جهد جهيد.

وفي "الوطن" كتبت مقالا بعد تأدية حج موسم 1423، وكان عبارة عن جزأين: الأول كتبت فيه انطباعي عن موسم الحج وقلت فيه "أديت فريضة الحج بعد غياب ثلاثين عاما، ووجدت كل السلبيات العالقة بذهنية طفولتي كما هي... حلاقون في العراء، والشعر يتطاير نحو قدور طباخين من جنسيات مختلفة، يطبخون أي شيء ويبيعون كل شيء بطريقة بدائية للغاية، وأشرت إلى ظاهرة التدين التي تكتسي وجوه بعض الحجاج الذين يتلذذون برمي علب العصائر واللبن في أرض المشاعر المقدسة، ويتركون "صناديق" النفايات نظيفة وذكرت سلبيات الخدمات بما فيها عدم وجود مكنة صرف آلي لأي بنك في "منى"، فيما بعد في صحيفة الحياة اللندنية تحت زاوية "بيادر" ثم كتبت تحت نفس المسمى في صحيفة الشرق منذ صدورها ككاتب يومي.. عاودت العيش في أحضان "الوطن" وبمسمى زاوية البداية "في خاطري شيء" ومازلت أتحسس الطريق.. ولو كنت أعرف خاتمة حكاية الكتابة ما كنت كتبت، "احتفظت بجماجم أحلامي".