عبدالله يحيى النخيفي
تدعي أمتنا الفضيلة وتكرر الدعاء على الآخرين: "الكفار، العلمانيين الليبراليين" بالهلاك في معظم مساجدها، ولا ترى في هذه الأرض على الخير سواها! تدعو مستخدمة مكبرات الصوت المصنوعة عند أولئك الذين تنتظر هلاكهم! وتنقل لجمهورها في كل مكان بالصوت والصورة خطابها وخطبتها التي تصنع فقه الإقصاء! عبر الأقمار الصناعية واللواقط الفضائية وأجهزة التلفزيون التي أنتجتها تلك العقول في الأمم الكافرة العلمانية! تمارس ذلك منذ عقود وعقود.. والقتل والإرهاب صار عنوانا وثقافة في معظم بلدانها، ورائحة الدماء أصبحت تفوح في كثير من حواضرها! تمارس ذلك والجهل والجوع والمرض ما زال يضرب بأطنابه في معظم أرجائها..! والفرقة والاقتتال والتشرذم والتشظي، والتمذهب! والظلم والفساد والكساد والتأخر، عنوان مشهدها العام.. الذي أصبح وجبة دسمة لنشرات الأخبار في كل العالم!
في المقابل نرى تلك الأمم التي توصف بكل قبيح من القول! أمما متطورة.. تحترم إنسانها وتبني أوطانها وتتقدم بسرعة هائلة، في المجال العلمي والتقني والعسكري والعمل السياسي! ونراها تحقق قيم العدالة والحرية والمساواة.. تلك القيم التي من خلالها يُبنى الإنسان، وتُبنى الأوطان.. ونراها تقيم التكتلات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، رغم اختلافات اللغة والعرق فيما بينها، ورغم الحروب التي خاضتها ضد بعضها البعض، التي تجاوزت ضحاياها الملايين في القرن الماضي! إلا أنها مجتمعات تحتكم لقيم: العدل والمساواة والحرية.. مجتمعات تحتكم للغة القانون.. مجتمعات قدست العلم، فسجلت في صفحات العلم إنجازات واختراعات غاية في الروعة والإبهار!
من هنا، نرى كثيرا من شبابنا يعيش مرحلة توهان كبيرة!.. ويبدأ بفقدان الثقة في كل ما حوله! وتهتز قناعاته كثيرا حين يتأمل الحال والواقع والوقائع بين يديه وبين ناظريه!
نحن نعرف أن الإسلام جاء بالحق وللحق، جاء لعمارة الأرض.. وجاء لتحقيق العدل والمساواة وتحقيق الحرية المسؤولة.. جاء ليعز الإنسان، ويحرره من العبودية إلا لله وحده لا شريك له.. جاء ليحقق قيم الفضيلة.. جاء بالرحمة وللرحمة والسلام.. نزل الوحي على خير البشر محمد، صلى الله عليه وسلم، ليقيم مجتمعا إنسانيا مؤمنا بالله من خلال عمارة الأرض ومن خلال تحقيق قيم العدل والمساواة بين الجميع.. وليقيم مجتمعا يقوم على ثقافة الرحمة والسلام فيما بينه ومع الآخر!
لكن؛ هل ما زالت أمتنا تحتكم لما جاء به "صلى الله عليه وسلم" من قيم ومبادئ تتحقق من خلالها قيم الفضيلة..؟! بكل أسى نقول: لا..! وإن شك أحدكم، فما عليه سوى الرجوع للخريطة الجغرافية السياسية.. ليبحث عن مناطق القتل والدماء والأشلاء، مناطق الإرهاب والتدمير، والجهل والجوع والمرض والتخلف! ليكتشف بنفسه أننا أمة أصبحت تقول ما لا تفعل! وتدعي ما لا تملك! فيا أمة ضحكت من جهلها الأمم أفيقي! واحفظي الأجيال والناشئة من التوهان! فهم ضحية لبعض خطابك الديني، والمذهبي، والفكري.. وبعض سلوكك ونهجك الذي تحكمه لغة التطرف والإقصاء، والقتل والإرهاب والتدمير.. وهم ضحية لواقعك الذي يشكو من الجهل والفقر والمرض والفساد بأشكاله!!
إضاءة: قال تعالى (يا أَيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أَن تقولوا ما لا تفعلون).