"لا تلعب مع الأكبر سنا، لا تخرج إلا بصحبة كبير من الأسرة، لا تصاحب الغرباء، أخشى عليك من نوعية هذا الأكل، انتبه لا تجري فقد تصاب بأذى".. عبارات يحاصرني بها والديّ على مدار اليوم، دونما أي مبرر، ورغم أني تجاوزت سن الخامسة العشرة، فإنني كلما سمعت هذه النصائح منهما أشعر بأنني لا أزال في السادسة".
بتلك العبارات بدأ طارق فرحان قصته، وأضاف "أعلم أن ذلك من منبع حرصهما علي، إلا أن هذه الكلمات تعوقني عن التفكير والتجربة والاختيار ومعرفة الصواب من الخطأ"، مشيرا إلى أن هذه التحذيرات المتكررة زرعت في نفسه الخوف، كما أشعرته بضعف والديه، وعدم قدرتهما على مواجهة الصعاب.
الطالبة الجامعية نهى خالد عانت من نفس الشعور، حيث تقول "لهفة أمي الزائدة وقلقها المفرط علي، والتحذيرات التي لطالما تكررها على مسامعي باستمرار، أشعرتني أن والدي هما من يحتاجان للرعاية ولست أنا، وقد أدى ذلك أيضا إلى إحساس لم أكن أرغبه، وهو عدم جدوى النصائح التي توجه لي من قبلهما".
وأضافت "بلغت مرحلة سنية يمكنني الاهتمام فيها بكل ما يخصني، خاصة فيما يتعلق بنوعية الأكل، وجودة اللبس، والتمييز بين الحر والبرد، لذلك أستغرب من حصار أمي لي، وتحذيراتها المتكررة حول هذه الأمور".
وتابعت نهى: "لطالما طاردتني أمي بنصائحها وقلقها الزائد، لدرجة أنني بدأت أجاريها في العلن، ولكن في الواقع أنفذ ما أريده، وقد قادني ذلك إلى الكذب والنفاق والتصنع".
وأضافت أن الأمهات يجب أن يتركن مساحة لأبنائهن للتفكير والتصرف، لأن مثل هذه الوصاية الكاملة تعيق الأبناء عن التفكير والاختيار، وتنمية الشخصية.
من جانبها، قالت أخصائية علم النفس هلالة المعبهل إن "خوف الوالدين الفطري على الأبناء قد ينقلب في بعض الأحيان إلى خوف مفرط، يكون له عادة مساوئ، فرغم تقديرنا لمشاعر الحب الطبيعية التي يحيط الآباء بها أبنائهم، إلا أن الإفراط فيها قد يتحول إلى طوق نفسي يعيق الأبناء عن التفكير والتجربة، من ناحية أخرى قد يسـتغل بعـض الأبـناء ذلك لتـحقيق أهداف خفية".
وأكدت اختصاصية علم النفس أهمية أن يعي الأبوان خطورة المبالغة في الحرص، والتي كانت ربما وليدة التغير الاجتماعي السريع، وشيوع القلق والحيرة في المجتمعات، مشيرة إلى ضرورة تقنين الحرص، وتعليم الأبناء التجربة، والتعرف على الصواب والخطأ. لأن هذه من أساسيات التربية السليمة.