رصدت جهات رقابية عدة ملاحظات على قطاعات تابعة لإحدى الأمانات تتمثل في مخالفة نصوص نظام المنافسات والمشتريات الحكومية ولائحته التنفيذية، وذلك في مجال "الشراء المباشر"، ومن أبرز تلك المخالفات ما يلي:

• تجزئة المشتريات والأعمال من أجل الوصول بها إلى صلاحية الشراء المباشر.

• التعامل مع شركات ومؤسسات بعينها عن طريق الشراء المباشر.

• طرح الأعمال المؤمنة بشكل دوري ومتكرر عن طريق الشراء المباشر.

• عدم إرفاق ثلاثة عروض على الأقل، وعدم تحري الدقة في عدالة الأسعار.

وبناءً على المخالفات السابقة، حذرت الجهات الرقابية بأن "كل مخالفة لأي حكم من أحكام النظام تعرض المسؤول للمساءلة التأديبية وفقاً لأحكام نظام تأديب الموظفين، وغيره من الأحكام الجزائية الأخرى المطبقة على العاملين في القطاعات الحكومية والمؤسسات العامة".

في الحقيقة، هناك عدد من الجهات الحكومية وليست الأمانات فقط تتوسع في استخدام أسلوب التكليف المباشر في تنفيذ أعمالها وتأمين احتياجاتها، بل وبشكل مستمر ومتكرر، مما يعني ذلك ضعف مبدأ المساءلة عن تلك المخالفات وعدم الحزم في محاسبة المخالفين، بسبب أن تلك المخالفات تخضع للاجتهادات الشخصية في ظل غياب معايير واضحة تحدد استخدام أسلوب التكليف المباشر والتي تؤدي إلى انتفاء المساءلة عموماً، وبالتالي عدم اهتمام الجهات الحكومية بملاحظات الجهات الرقابية وعدم أخذها على محمل الجد!.

لقد وضع المشرّع السعودي قاعدة مهمة جعلها الأساس في تعاملات الجهات الحكومية، وذلك عند توفير احتياجاتها من أعمال أو خدمات أو مشتريات، وهي أن تطرح جميع هذه الأعمال في "منافسة عامة" تطبيقاً لأحكام نظام المنافسات والمشتريات الحكومية، حيث نصت الفقرة (ج) في المادة الأولى على أن من أهداف النظام "تعزيز النزاهة والمنافسة، وتوفير معاملة عادلة للمتعهدين والمقاولين، تحقيقاً لمبدأ تكافؤ الفرص".

كما أن "المنافسة العامة" وسيلة مهمة للحصول على أفضل الأسعار، وبالتالي تحقيق الكفاية الاقتصادية للمشتريات والمشاريع الحكومية، كما أنها تعطي ثقة أكبر في الاقتصاد السعودي، من خلال إعطاء الفرص المتساوية لجميع المستثمرين ورجال الأعمال.

ولكن نظراً لوجود ظروف معينة تتعلق ببعض التعاملات الحكومية، فقد وضع النظام استثناء من مبدأ المنافسة لعدة أسباب تقدرها السلطة المختصة، بحيث يكون من حق الجهات الحكومية تنفيذ أعمالها والحصول على احتياجاتها عن طريق "الشراء المباشر" بما يحقق "المرونة في التعامل حسب طبيعة التعاقد وذلك تحقيقاً للصالح العام وعملاً بمبدأ دوام واستمرار سير المرافق العامة بانتظام واطراد".

فقد نصت المادة (44) من نظام المنافسات والمشتريات الحكومية على أنه "يجوز توفير احتياجات الجهة الحكومية وتنفيذ أعمالها عن طريق الشراء المباشر في الحالات العاجلة، على ألا تتجاوز قيمة الشراء مليون ريال"، فقد تطرأ حالات عاجلة في الجهة الحكومية تستلزم اتخاذ إجراءات سريعة حيالها كظهور الأوبئة على سبيل المثال، وبالتالي قد تستغرق هذه الإجراءات وقتاً طويلاً إن هي خضعت للمنافسة العامة، لذلك أجاز النظام للجهات الحكومية أن تعمل على توفير احتياجاتها عن طريق التكليف المباشر.

ولم يترك النظام عملية الشراء المباشر دون ضوابط، فقد نصت المادة (45) على أنه "عند تنفيذ الأعمال والمشتريات عن طريق الشراء المباشر يجب الحصول على ثلاثة عروض على الأقل، وتفحص هذه العروض لجنة يكونها الوزير المختص أو رئيس الدائرة المستقلة على ألا تتجاوز التكاليف السعر السائد في السوق"، و"تكون صلاحية البت في الشراء المباشر للوزير أو رئيس الدائرة المستقلة، ولا يجوز له التفويض إلا في حدود خمسمئة ألف ريال".

كما أن المادة (68) من اللائحة التنفيذية للنظام حددت ضوابط صلاحية الجهات الحكومية في تقدير الحالات العاجلة، والتي تعد المعيار الأساسي للدخول في هذه الصلاحية، ولكن النظام ترك تقدير الحالات العاجلة للجهات الحكومية نفسها لأنها هي المسؤولة عن تسيير المرفق العام وفقاً لاحتياجاتها ووفقاً للمصلحة العامة، كما أن النظام أعطى هذه الجهات "حرية كبيرة في اختيار المتعاقدين معها ولا يقيدها في ذلك سوى اعتبارات الصالح العام".

وتجدر الإشارة هنا إلى أن النظام استثنى من المنافسة العامة بشكل صريح الأعمال الاستشارية والفنية والدراسات ووضع المواصفات والمخططات والإشراف عليها، بالإضافة إلى قطع غيار الآلات الميكانيكية والكهربائية، وكذلك بالنسبة للسلع والخدمات التي لا تتوافر إلا لدى مقاول واحد.

وبالرغم من وجود هذه الحرية في اختيار المتعاقدين، إلا أن نظام المنافسات في المادة (46) أكد على عدم جواز "تجزئة المشتريات أو الأعمال من أجل الوصول بها إلى صلاحية الشراء المباشر، كما لا تجوز تجزئة هذه الأعمال من أجل الوصول بها إلى صلاحية المسؤولين المفوضين".

وبناءً على ما سبق، قد تعمد بعض الجهات الحكومية إلى عدم طرح أعمالها في منافسة عامة، حتى تصبح هذه الأعمال من الحالات العاجلة وتكون مطلوبة على وجهة السرعة، وفي بعض الجهات لا يكون هذا المعيار هو الأساس في عملية الشراء المباشر وإنما المعيار هو أن تكون العملية في حدود المليون ريال فقط، وعليه تبدأ بتجزئة المشتريات للدخول في هذه الصلاحيات، فقد تبلغ احتياجات الجهة في مشروع ما أكثر من (10) ملايين ريال، فتتم تجزئتها أولاً على أساس أنها توريد ومن ثم تركيب، وبعد ذلك صيانة، أو على أساس تجزئتها على مراحل (مرحلة أولى وثانية وثالثة) وهكذا، ناهيك عن المبالغة في تكاليف قطع الغيار خاصة في عقود الصيانة!.

ولا شك أن الممارسات السابقة تعد تحايلا وتلاعبا تستوجب المساءلة القانونية ولكن تبقى الجهات الرقابية حائرة أمام معيار "الحالة العاجلة" ومعيار "المليون ريال"، بالإضافة إلى تحديد المسؤوليات والصلاحيات، ويبقى السؤال المطروح هنا: ما عقوبة من يخالف النصوص النظامية للشراء المباشر؟