التنمية مصطلح قابل للنمو واستيعاب كثير من التفاصيل التي ينبغي أن تشكل الحد النهائي لأي مشروعات تتعلق بالرفاهية الاجتماعية وتوفير الخدمات الضرورية أو الكمالية التي يحتاجها المواطن، ولعلها في بلادنا وجدت اهتماما كبيرا من الدولة من خلال الميزانيات القياسية التي يتم وضعها سنويا للارتقاء بالحياة الاجتماعية والحضرية في جميع المناطق بلا استثناء أو تمييز، ولكن العائق الأساسي الذي يبطئ من مسيرتها هو البيروقراطية وبعض مظاهر الخلل الإداري في الهياكل المعنية بالتنفيذ، مما يؤخر بعض مشروعاتها أو يضعها في أضابير النسيان.

كان لافتا ومهما في هذا السياق القرار الذي أصدره الأمير الدكتور منصور بن متعب بن عبدالعزيز وزير الشؤون البلدية والقروية، مؤخرا، الذي يتعلق بتطوير حي "المسورة" في العوامية، ويقضي بنزع ملكيات المساكن القديمة لقاطنيه، التي تقدر بحوالي 400 عقار تمهيدا لإزالته بالكامل وإقامة منطقة خدمات عصرية على مساحة أكبر وحل مشكلة الاختناقات، ونحن هنا أمام خطوة تنموية واسعة توازن بين استحقاقات الحي التاريخي ومطلوبات التنمية للمواطنين، الذين يعيشون فيه على نمط حياة تقليدي لم يتماس مع التحضر أو يكتسب أي سمات للحياة العصرية.

التنمية في كل المشروعات الحكومية تكون شاملة ومستدامة ومتوازنة، وهذا الثلاثي الوصفي إنما يعزز الدور التنفيذي للحكومة ويمنحها القدرة على مواكبة مطالب المواطنين، فالتنمية الشاملة أمر حضاري لا بد منه بحيث يحصل المواطن على الرفاهية والحقوق الضرورية ليعيش في مستوى تنموي متكامل وسهل ومريح، أما المستدامة فتعني اكتساب الأبعاد الحضارية على مسار مستقر ومطمئن يستطيع من خلال مد الرؤية إلى الأفق والمستقبل والاطمئنان إلى أن الأبناء يحصلون على مستوى متقدم من العيش المرفه، وبالنسبة للتنمية المتوازنة فإنها تغطي جميع المواطنين في الرقعة الجغرافية والمناطقية للوطن بحيث يحصل مواطن الجنوب على الخدمات ذاتها التي يحصل عليها مواطن الشمال وهكذا.

أعود إلى "مسورة" العوامية التي تشهد تطبيقا تنمويا جديرا بالوقوف عنده، فهذه المنطقة بحسب الروايات التاريخية يعود إنشاؤها إلى نحو أربعة قرون مضت، وذلك كفيل بمنحها الصفة التاريخية التي تؤهلها للعناية التنموية، فصورتها الحالية مأساوية ومتأخرة عن ركب التنمية، فبعض المنازل المهجورة التي تركها أصحابها تحولت لمرتع للعمالة المخالفة، وإزالة الحي أصبحت بمثابة العلاج بالكي، والتطوير أصبح حلا اجتماعيا واقتصاديا وتنمويا لحد كبير، لأنه يزيل مظاهر المباني العشوائية، ويرتقي بالمستوى المعيشي للمواطن، وهو من الأهمية بما يجعله من المشاريع التنموية الكبيرة في العوامية التي تحتاج هذا التطوير.

لقد عانت هذه المنطقة كثيرا بتجاهل قيمتها الحضارية والإنشائية التراثية، وفي المثل "أن تأتي متأخرا، خير من ألا تأتي" ولذلك فإن البدء في مشروع المسورة أمر نطالب بحمايته أولا من البيروقراطية التي تعطّل التنمية وتفسد مشروعاتها وخططها، وهي على قدمها لا تزال مسكونة، ولكن وضعها الحالي لا يسر أو يتوافق مع مقتضيات التنمية، إذ لا توجد بها مجارٍ أو أنظمة سلامة وشبكة المياه قديمة وخارج التغطية الحضرية، وكثيرا ما طالب الأهالي بمثل هذا المشروع لتطوير الحي والاهتمام به.

وهذا المشروع له دلالاته الاستراتيجية التي تنتقل بأهل العوامية إلى فضاء التنمية والتطور، ومن واقع قرار الإزالة والتهيئة لمشروع التطوير فإن المشروع يتم برؤية علمية نظامية ومنظمة تبدأ بتجميع وتصنيف الصكوك، ووثائق الملكية والرفوعات المساحية السابقة إن وجدت، وعمل سجل عقاري لكل عقار على حدة، ومقارنة الصكوك والوثائق والرفوعات المساحية بالمعلومات المساحية الأولية المتاحة، تلي ذلك الأعمال المساحية وأعمال المقايسة لجميع العقارات المستهدفة، انتهاء بالمخطط النهائي.

ومن واقع جدية الجهات المعنية بتنفيذ المشروع فإننا نتوقع خلال ستة أشهر، تغير شكل المنطقة كلية، بحيث تصبح واجهة حضرية راقية تواكب طموحات الأهالي وتسهم في إدخالهم مرحلة تنموية متقدمة لطالما حلموا بها، وحين تكتمل جميع مراحل المشروع فإننا سنجد أنفسنا أمام بانوراما تنموية فائقة التطور تليق بتاريخ العوامية وعمقها الحضاري والتاريخي.